أفضنا في الأسبوع الماضي في الحديث عن موسيقى عبد الوهاب في فلمه الأول (الوردة البيضاء) لأنها العماد القوي الذي رفع هذا الصرح الشامخ عاليا وأناله هذه المكانة الرفيعة من النجاح والتقدير. وهذه الألوف التي تزاحمت لمشاهدة الفلم انما جذبتها موسيقى عبد الوهاب وألحانه القوية الفياضة التي يصوغها من روحه فتخرج ملؤها الحياة، تعمر جوانبها، وتفيض في نواحيها، وكأن عبد الوهاب يضع فيها من نفسه ومن حاسته، ويفرض عليك عند سماعها ألوانا شتى من العواطف والاحساسات لا قبل لك بدفعها أو الفرار منها، وانك لتسمع الحان هذا الشاب بقلبك وجوانحك قبل أن تسمعها بأذنك.
شغلتنا موسيقى عبد الوهاب إذن عن الحديث في النواحي الأخرى من الفلم، وما ينبغي أن نغمط الممثلين الأكفاء الذين اشتركوا في تمثيل هذا الفلم ما أبدوه من الكفاية في أدوارهم جميعا. ونبدأ بالأستاذ محمد عبد القدوس (خليل أفندي) وكيل الدائرة، فقد كان الممثل الكامل، وليس للناقد عليه من سبيل، إذ أدى دوره على أحسن ما يكون، في بساطة وسهولة ويسر، وفي كثير من الدقة والأمانة للشخصية التي يمثلها، وهو ما اشتهر به عبد القدوس في تمثيله السهل الممتنع. وعبد القدوس لا يمثل، ولكنه يعيش الدور الذي يقوم به. وهذا هو المثل الأعلى لفن التمثيل.
والأستاذ سليمان نجيب في دور (إسماعيل بك) والد رجاء كان كثير التوفيق في مشاهده المختلفة، غير أن نزعته المسرحية كانت تبدو واضحة في حركاته وإشاراته وحديثه. ولو حاول قليلا أن يتخلص منها لما كان ما نأخذه عليه. ويبدأ سليمان جملته قوية، في صوت مرتفع واضح، وما يزال يخافت بها حتى يتلاشى صوته في النهاية فلا نسمع الكلمات الأخيرة التي تخرج أشبه ما تكون بالهمس أو المناجاة. وهذا العيب لا يغتفر في المسرح فمن باب أولى في السينما. على أن مظهر سليمان نجيب بقامته المديدة، وطلعته الوضاحة،