يستطيع أولئك الذين قرءوا قصص بوكاشيو وألف ليلة وليلة، أن يجدوا بعض نواحي الشبه بين الأثرين، سواء في المادة أو الروح؛ ذلك أن قصص الأيام العشرة تفيض كقصص ألف ليلة وليلة بروح مادية قوامها السرور والمرح، والتوفر على استمراء متاع هذه الحياة بأي الوسائل؛ وتفيض أيضاً كألف ليلة وليلة بالمواقف الغرامية المدهشة المثيرة، أو المبتذلة أحياناً؛ ثم أن كلا الأثرين يرمي إلى غاية واحدة تقريباً، وهي مجالدة النوائب والنسيان والسلوى؛ ففي ألف ليلة وليلة نجد ملكاً نكب بخيانة زوجه، وانقلب إلى بغض النساء، يتسرى في كل ليلة بكراً ثم يقتلها في صباح اليوم الثاني، إلى أن يبعث إليه وزيره بابنته (شهرزاد)، فتحتال لتسلية الملك وتحويله عن فكرة الثأر من النساء، وإنقاذ نفسها وبنات جنسها، بأن تقص عليه في كل ليلة طرفاً من القصص الشائق حتى ألف ليلة وليلة؛ وفي الأيام العشرة نجد عشر سيدات وسادة يجتمعون أثناء الوباء المروع للترويح عن أنفسهم وتناسي ويلات الفناء والموت، بتبادل القصص الممتع
ولا نعني بذلك أن جوفاني بوكاشيو قد تأثر في كتابة قصصه بألف ليلة وليلة؛ ذلك أن هذه القصص الشهيرة لم تكن قد عرفت في الغرب في عصره؛ ولكنا نريد أن نقول فقط أنه يوجد بين الأثرين تماثل في الروح والطابع والغاية يرجع إلى تماثل في روح العصور الوسطى وفي روح مجتمعاتها
على أنه إذا كانت قصص ألف ليلة تمتاز أحياناً بخيالها المبدع، وفنها الممتع، وصورها الوصفية والاجتماعية الشائقة، فإن قصص الأيام العشرة تفوقها من الناحية الفنية في مواطن كثيرة، وتمتاز بالأخص بعبرها ومغازيها الدقيقة، وصورها الفكهة اللاذعة، ومع أنها تمتاز أيضاً بكثير من التنوع والتباين في التصوير والوصف، فإنها تمتاز في نفس