الوقت بطابع من التناسق الممتع في الروح والأسلوب والتعبير
وقد رجع بوكاشيو في كتابة قصصه إلى مادة غزيرة من القصص القديم وقصص العصور الوسطى، وإلى بعض الحوادث الواقعية التي شهدها، وإلى بعض حوادث حياته ذاتها؛ ويرى بعض النقدة أن الفتيان الثلاثة الذين اتخذهم بوكاشيو أبطالاً لثلاثة من الأيام العشرة، إنما يمثلون ثلاث مراحل مختلفة من حياة بوكاشيو نفسه، وأن في قصصهم كثيراً مما اشتق من حياة بوكاشيو ذاتها
وبدأ بوكاشيو كتابة قصصه كما قدمنا، أيام عصف الوباء بمدينة فلورنس في ربيع سنة ١٣٤٨، وأنجز الثلاثة أيام الأولى منها في مايو سنة ١٣٤٩، وهو يومئذ بنابل، كما يستدل من خطاب الإهداء الذي يوجهه عن هذا القسم إلى صديقه الساندرو دي باردي التاجر الفلورنسي، وكان يقيم يومئذ في جايتا؛ وانتهى من كتابة مؤلفه في سنة ١٣٥٣، أعني لخمسة أعوام من البدء فيه؛ وظهرت الطبعة الأولى من هذه المجموعة الخالدة في سنة ١٤٩٢
وقصص الأيام العشرة تجري حوادثها في جميع المدن الإيطالية وفي بلاد بعيد أخرى مثل البرتغال أو إنكلترا والإسكندرية وآسيا الصغرى؛ وقد اختصت فلورنس موطن المؤلف؛ وكذلك نابل حيث عاش بوكاشيو مدى حين، بكثير منها؛ وفي كثير منها نجد صوراً ممتعة لمحاسن الطبيعة في تلك الأرجاء، ووصفاً شائقاً فكهاً لمجتمعات هذه العصور وخلالها ومثالبها
كذلك تقدم إلينا هذه القصص أبطالاً من كل صنف وضرب؛ فهنالك مجتمع العصور الوسطى بكل طوائفه وشخصياته، من سادة وفرسان وأحبار وقسس، وشعراء وفنانين، وصناع وعمال ولصوص، ونساء من كل ضرب؛ وهنالك شخصيات الطبقة العليا من ملوك وأمراء وسادة وملكات وأميرات وسيدات أنيقات من كل الطبقات، وهنالك طائفة كبيرة من ملوك وأمراء معينين معاصرين وغير معاصرين
ونجد مثل هذا التباين في موضوعات القصص؛ ونلاحظ أولاً أن القصص كلها بعيدة عن الإسهاب الممل، وقد صيغت في أحجام متقاربة، من خمس صفحات إلى عشرين؛ بيد أن هذا الإيجاز في الحجم لم يحل دون حسن السبك، ففي كل قصة فكرة طريفة، وفي كل