تناول الباحث الفاضل الأستاذ أحمد أمين بك موضوع الفردية والاجتماعية في مقال آخر بمجلة الثقافة فانتهى منه إلى قوله:
(. . . ومجال القول في هذا الموضوع فسيح، ولفظ الفردية والاجتماعية يطلق على معان كثيرة ينشأ بسببها الخلاف بين الكتاب الأفرنج والعرب على السواء. فالفردية التي عنيتها في مقالي السابق هي الأنانية أو الأثرة، والاجتماعية هي الغيرية والإيثار. ولا شك أن الأستاذين معي بعد هذا التحديد في أن الرقي الأخلاقي والاجتماعي سائر نحو الاجتماعية لا الفردية. فمن أسباب رقي الغربيين على الشرقيين وعيهم الاجتماعي أو بعبارة أخرى شعورهم بوطنهم وأمتهم بجانب شعورهم بشخصهم. ومن هذا الوعي نظمت الجمعيات والنقابات، وبذلت الدماء في الحروب دفاعاً عن الوطن. . .)
ثم استطرد قائلاً:(على أن الفردية قد تطلق أيضاً على نوع النظام الحكومي الذي يتمتع به الفرد بحريته وملكيته وتجارته وما إلى ذلك من غير أن تتدخل الحكومة في شأنه إلا عند الضرورة القصوى، وضده الاجتماعية أو الاشتراكية، وفي هذا المعنى أيضاً أخالف الأستاذين، وأزعم أن العالم سائر إلى الاشتراكية على نحو ما، ومصداق ذلك أن أعظم الأمم الفردية كإنجلترا أو أمريكا تصطبغ نظمها من حين لآخر بما يقربها من الاشتراكية، فتتدخل في تنظيم الاقتصاد وتأخذ من الغني لتعطي الفقير)
وأحسب أننا متفقون بعد هذا في أكثر مراحل الطريق: فنحن نعيب أدب الأنانية المحدودة كما يعيبه الأستاذ، وهو على ما نرى يوافقنا على أن الأدب المحض مطلوب غير معيب، وكل منا يقدر الفائدة الاجتماعية ويحب أن يكون للأديب سهم كبير فيها
وإنما الخلاف على ما يظهر في تقدير الدرجات
فنحن نعطي الدرجة الكبرى للأدب المحض ونقول إنه يخدم المجتمع ولا يستغني المجتمع عنه بحال من الأحوال، لأن التعبير عن خوالج النفس علامة صحية يدل وجودها على سلامة البنية الاجتماعية، كما يدل فقدها على نقص أو عطب في تلك البنية. وليس على الأديب حرج أن يكتفي بالأدب المحض الذي يقترن بتلك السلامة؛ لأنه إذا أهمله لم يقم به