أحد غيره. أما البحث في شئون المعيشة ومسائل الأسعار والموارد والأجور فهو بحث يحسنه الاقتصادي والسياسي وكاتب الصحف الخاصة إذا قصر فيه الأدباء
ولكن الأستاذ أحمد أمين يعطي الدرجة الكبرى للأدب الذي يبحث في تلك الشئون، ويرى أن تاريخ الإنسان يتقدم من الفردية إلى الحاسة الاجتماعية أو الوعي الاجتماعي الموكل بمسائل المعيشة وما إليها، ويستدل على ذلك بأمم الغرب واصطباغ النظم الإنجليزية والأمريكية بصبغة تقربها من الاشتراكية وفي هذا نحن مختلفون
لأننا نرى أن العبرة التي خرجنا بها من الحرب بين الأمم المتحاربة هي عبرة (الحرية الفردية) في مقاومة الدعوة العنصرية التي يمحى فيها الأفراد
فقد تبين حتى الساعة من مجرى الحرب العالمية أن أقوى الأمم دفاعاً عن نفسها هي الأمم التي تبلغ فيها الحرية الفردية مداها، أو هي الأمم التي تعترف للفرد بحقوقه في جانب حقوق الدولة فالأمم العنصرية - وهي النازية والفاشية - قد استعدت كل الاستعداد للحرب فلم تبلغ من غايتها بعض ما بلغته الأمم الديمقراطية على قلة استعدادها في بداية أمرها. وهذا مع نكران الفرد الشديد في الأمم العنصرية، ومطالبتهم كل فرد في الدولة بالفناء في مشيئة الأمة كما يمثلها حكامها المطلقون
فالصراع القائم اليوم هو أصدق امتحان للفردية في مكافحتها للعنصرية العمياء التي تمحو حقوق الأفراد
أما أن الأمم الديمقراطية (تصبغ نظمها اليوم بصبغة تقربها من الاشتراكية وتأخذ من الغني لتعطي الفقير) فهذا في اعتقادنا أكبر تسليم للفردية من قبل العنصرية، وأكبر انتصار لحقوق الفرد إلى جانب حقوق الدولة
فمعنى هذا كله أن الفرد يجب أن يعرف جزاءه على خدمة وطنه، وأن نسيان حقوق الفرد في إبان الصراع القومي أمر غير عادل وغير مشكور، إذ الوطن الحقيق بالدفاع عنه هو الوطن الذي ينصف فيه الأفراد من جميع الطبقات ولا يظلمون
ونقابل بين هذا وبين (السخرة الوطنية) في الحروب الماضية فنرى جلياً أن (الحقوق الفردية) هي التي انتصرت في الحرب الحاضرة إلى جانب الحقوق الدولية، وأن تاريخ الإنسان متجه لا مراء إلى تعظيم حرية الفرد وحقوق الفرد وترجيح المجتمع على المجتمع