للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[روحانية الحياة المدرسية]

للدكتور زكي مبارك

مهنة التعليم توحي إلى النفس طمأنينة لا توحيها أية مهنة، لأن التعليم يقوم على أساس من شرف الغرض لا يعادله أي أساس. والإحصائيات تثبت أن المعلمين أقل الناس تعرضاً للآفات النفسية، بسبب تلك الطمأنينة الروحية. . . وبرغم كثرة التشكي من الغبن الذي يلاحق مهنة التعليم فإن حال المعلمين في مصر من أحسن الأحوال، فأكثرهم بحمد الله صاروا من المياسير، ولعلهم الطائفة الوحيدة التي أعفاها الله من التعطل في هذا الزمان

والمتأمل يلاحظ أن الله يبارك في أعمار المعلمين وفي أرزاقهم بقدر ما يضمرون من الإخلاص، وبقدر ما يقاسون من العناء، لأنها مهنة لا يستريح فيها غير من يرحب بالشقاء، إن جاز أن يكون مع الإخلاص في هذه المهنة شقاء

والآفة التي تكدر حيوات المعلمين هي آفة الأسلوب القديم في الترقيات؛ فترقية المدرس بمدرسة ابتدائية هي نقله إلى مدرسة ثانوية، وترقية المدرس بمدرسة ثانوية هي نقله إلى مدرسة عالية أو نقله إلى التفتيش

وكنا أرجو أن يكون الأمر بالعكس. كنت أرجو أن تكون المدرسة الابتدائية هي المكان المختار لأكابر المدرسين، ليستطيعوا خلق الروحانية في الحياة المدرسية، وليكون ذلك شاهداً على الإيمان بقدسية التعليم

المبتدئ هو الذي يحتاج إلى المدرس الكبير العقل والروح، المدرس الذي صقلته التجارب وراضته على فهم الغرائز والنفوس

والتلاميذ في المدارس الابتدائية يحتاجون إلى رياضة روحية يقوم بها مدرسون روحيون، وهم الذين صاروا في حكم الآباء، ليكون انتقال التلميذ من البيت إلى المدرسة انتقالاً من رعاية أبوية إلى رعاية روحية

والحق أن المدرسة الابتدائية هي الأساس، فإن استطعنا أن نخلق في تلاميذها الشوق إلى الحياة العلمية فسيقل خوفنا عليهم حين يتحولون إلى المدارس الثانوية

والحق أيضاً أن العُرف الذي قضى بأن يكون المدرس في الثانويات أعلى من المدرس في الإبتدائيات قد زعزع قدسية التدريس

<<  <  ج:
ص:  >  >>