يرى علماء النفس للشعور مظاهر ثلاثة: فهو تفكير إذا كان بحثاً عن حقائق الوجود لمعرفة أسبابها، واستنباط قواعدها، وإدراك ما بين بعضها وبعض من صلة أو تنافر؛ وهو وجدان إذا صحبه إحساس باللذة بالألم، فالحب والبغض والسرور والحزن والرجاء واليأس، والخوف والغضب، كلها وجدانات تتصل بالنفس فتحدث بها لذة أو ألماً؛ وهو إرادة إذا حفر المرء إلى العمل، ودفعه إليه، كالرغبات والنيات.
وإن بين هذه المظاهر النفسية اتصالاً وثيقاً لا يتأتى معه انفعال واحد عن صاحبيه، وإن كان المظهر الغالب لأحدهما؛ فمن المحال أن نجد ألماً في أنفسنا من غير أن نبحث عن سببه ونبذل طاقتنا في سبيل إبعاده. ويستحيل أن نفكر في عمل عقلي من غير أن نشعر بارتياح إذا سهل الأمر وانقاد، وامتعاض إذا اعتاص والتوى. والأعمال الإرادية يصحبها التفكير والوجدان، ولا تستقل بنفسها أبداً.
غير أن الصلة التي تربط هذه المظاهر بعضها ببعض قد تكون طبيعية، إذا كانت التجربة نفسها تستدعي هذا الترابط بطريق تداعي المعاني، كما إذا وصل إليك نبأ نجاحك مثلاً، فإن خواطر شتى تفد إلى نفسك من كل صوب: ما بين سرور وابتهاج بما ظفرت به، وتفكير في الوسائل التي انتهجتها، فوصلت بك إلى تلك الغاية السعيدة؛ إلى رغبات وهزمات تصمم عليها، ويدفعك إليها هذا الظفر المحبوب، وبينا ترى بعض هذه الخواطر واضحاً جلياً للنفس، يحتل بؤرة الشعور أو الحواشي القريبة منها، تجد بعضها الآخر غامضاً خفياً لا تكاد نشعر به، ةتكون الصلة غير طبيعية إذا لم تكن التجربة مستدعية لها بطريق تداعي المعاني، كما إذا كنت تدرس نظريات الهندسة، فسئمت العمل وتركته فليس بين نظريات الهندسة والسأم من صلة.
ليس التفكير الخالص بميدان للأدب، وإنما هو مرتع للعلم وحده، أما الأدب فمجاله الإحساس بالحسن الذي يشير في النفس لذة، أو بالقبح الذي يبعث فيها ألماً، فالأدب تعبير عن هذا الإحساس، وتصوير له، فهو لسان الوجدان وترجمانه، وإذا كان العلم لسان التفكير والمبين عنه.