للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الشهرة والخلود]

لأميل لدفيج

تلخيص محمد أمين حسونة

خطر يبالي ذات شتاء أن أمضى شطراً طويلاً منه في منطقة الألب لاستمتع بدفء الجبال، فكان مما استرعى اهتمامي في منطقة التيرول، تلك الكنيسة الفخمة التي اشتهرت منذ القرون الوسطى بأثرية ناقوسها وروعته، فلما مر بخاطري زيارته، صعدت إلى القبة لأشبع العين من فتنته، وهناك تملكتني الدهشة والعجب، إذ كانوا يعلقون صورة (شيللر) إلى جانب صورة القديسين الأبرار، كتذكار لمقطوعته الخالدة (نشيد الناقوس)!

فشللر الكاتب الملحد، عدو الكنيسة والكثلكة، يجعلون منه رمزاً للقداسة والخلود؟ ولكن لا عجب فقد تكون شهرته كشاعر مخلد لذكرى (الناقوس) هي التي حدت بهم إلى رفعه في مثل هذا الموضع الذي يرتكز عليه، وهكذا تكون الشهرة حامية للأغلاط. إننا نذكر جميعاً غلطة (كوك) المعروفة، وكيف دفعته إلى مصاف العظماء، وقذفت باسمه إلى أول قائمة المكتشفين الخالدين، ولو أن لعبته لم تكتشف إلا بعد مرور فترة طويلة!

إذن فالشهرة ليست بمعناها المعروف، هي (العظمة)، وقد لا تهدينا شهرة الرجل إلى تقدير مناحي عظمته في ثوبها الحقيقي، وإلا كان من حقنا أن نفاخر (بشارلي شابلن) عن (برجسون) وان نفضل (مستنجيت) على (مدام كوري). مع أننا كمؤرخين في عنقنا دين تجب تأديته للأجيال المقبلة، ذلك هو تصحيح الأخطاء التي تلابس أولئك الذين يستحوذون على الشهرة عن طريق المخادعة.

وقديماً ذكروا: ألا يجوز البتة إعلان كون الناس سعداء ما داموا أحياء! فإذا جاز لنا أن نحكم بان حياة الإنسان إن هي إلا رواية تمثل مشاهدها، ففي مكنة (فصل خامس) منها أن يطفئ أنوار فصول أربعة تقدمته، وفي ضوء هذه النظرية لا يمكننا الحكم على أعمال الرجال إلا بعد موتهم، ولا أن نخلع عليهم ثوب العظمة وهم أحياء، فمن المحتمل أن يأتي هذا الثوب فضفاضاً عليهم، أو يحدث في أواخر أيامهم ما يدفعهم إلى تشويه هذه الصفحات التي نكون قد ملائناها حمداً وثناء عليهم!

إن سرعة انتشار الأخبار تمكننا من معرفة أي رجل اشتهر في اقل من لمح البصر، فاسم

<<  <  ج:
ص:  >  >>