(ليندبرج) - قاهر الجو - عرفه في ليلة واحدة خمسمائة مليون شخص من أقاصي منشوريا إلى جنوب استراليا؛ كذلك كان أمر (كوك) حين انتحل لنفسه اكتشاف القطب الشمالي، ولو أن خدعته اكتشفت فيما بعد، ولكن بعد فوات الفرصة، وبعد أن رسخ اسمه في قلب كل إنسان كمكتشف عظيم!
إن الآلة التي تخرج لنا العظماء اليوم غيرها قبل خمسين عاماً مضت، فليس الرجل العسكري هو الذي ينال إعجاب أبناء هذا الجيل، وليس من حقنا تدوين اسمه في ثبت العظماء، كما فعل الاسكندر وقيصر ونابليون، كلا! فالشعوب أصبحت لا تتهافت على معرفة اسم القائد المنتظر في الميدان، لكنهم يتساءلون عن الآلة الجهنمية التي أحرزت التغلب، وخفقت فوق ربوعها بنود النصر. وخذ اسم المارشال هيندنبرج مثلا، فلا يتطرق إلى أذهاننا أن شهرة اسمه راجعة إلى عظمته الحربية وحدها، بل لذلك الاعتقاد السائد في النفوس، وهو اعتباره (أباً للشعب). والإعجاب اليوم لا ينال الجيوش الظافرة في ساحات الوغى، اكثر مما ينال ذلك (الجندي المجهول) الجامع لرفات الانتصار والانكسار.
إن شهرة كبار القواد الذين خاضوا غمار الحرب العظمى، وكان النصر حليفهم في المعارك الكبرى، قد تضاءلت حتى كادت تتلاشى؛ كذلك مال بلسودسكي ومصطفى كمال وموسوليني، فسوف يصبح اسم كل منهم خرافة سائدة في أفواه الأجيال المقبلة.
ومن يحرز الشهرة إذن؟ إن رجال الألعاب الرياضية وأبطال الملاكمة ونجوم السينما هم وحدهم الذين يحرزون الشهرة دون غيرهم. أما الأولون فلأن الجماهير تساهم بقسط وافر في الشهرة التي يحرزونها عن طريق المراهنة في مبارياتهم؛ وأما نجوم السينما فيستولون على الشهرة بفضل الملابس الزاهية وإتقانهم الأدوار التي تتطلب المثل العليا في الحب والتضحية.
ولأنهم جميعاً يشغلون قلوب الجماهير ويستدرون عواطفهم في كل مناسبة، فملامحهم وصورهم وحياتهم الخاصة مطبوعة على صفحة كل قلب بفضل الصحافة المصورة التي تمهد لهم سبل الشهرة والدعاية فكاروزو مثلا اشتهر اكثر من غيره من المغنين السالفين بفضل اختراع (الفونوغراف) الذي خلد صوته.
إن مهمة المؤرخ دقيقة وعسيرة في هذا العصر فيجب ألا يعتمد على الشهرة وحدها في