قد تكلم المتكلمون في وصف أهل مصر فأكثروا في وصفهم من المبالغات، وذهبوا في التعميم مذاهب مختلفة، فمنهم من أغرق في المحدح حتى لم يترك فضيلة الا وصفهم بها، وهؤلاء قد غاب عنهم من وجه الحق مثل ما غاب عن الفريق الآخر الذي أغرق في الذم والتجريح. وقد تناول أفاضل كتاب الرسالة هذا المعنى فضربوا فيه بسهم.
ولعمري أنه لم يخطئ كاتب خطأ كتاب العربية قديماً إذا هم تناولوا قوماً بالوصف، فانهم إذا وقعت أنظارهم على جماعة أو عاشروا فئة من الناس وصفوها وصفاً يخيل إلى من يسمعه أو يقرؤه أنه وصف شامل لكل أهل البلد، أو أنه سمة ثابتة لكل الجنس، في حين أنهم إنما كانوا يصفونه من اتفق لهم الامتزاج به أو من ألفتهم الظروف في سبيلهم.
إن العالم الذي يحاول وصف الشعوب إنما يصل إلى حكمة على مميزات الشعب بعد أن يدقق في بحثه ويفحص من أفراد الجنس عدداً يستطيع بعد فحصه أن يقول بحق إنه قد عرف نسبة محترمة من أفراد ذلك الجنس، فاذا ما قال إنه رأى في ذلك الجنس صفة لازمة يشترك فيها الافراد جميعاً أو أغلبهم كان ذلك الحكم جديراً بالوثوق والتصديق. وشعب مصر إذا ذكره الذاكرون إنما يعني به شعب تلك الأرض الممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وليس من السهل على أحد أن يصف مثل ذلك الشعب بوصف شامل يعم أفراده جميعاً، أو يصدق على أغلبهم. فأمثال ابن خلدون والمقريزي ممن وصفوا أهل مصر إنما يصفون من رأوه من أهل الدولة أو من الأعيان أو من أهل العلم، وهؤلاء ان صدقت علهيم كلمة أو شملهم وصف لم يصح أن يكون وصفهم وصفاً لبعض الأمة فضلاً عن كلها. وذلك لان أغلب أهل هذه الطبقة في مصر لم يكن في تلك العصور من جرثومة البلاد وأبناء شعبها الصميمين، بل كانوا أخلاطاً من مشرق الأرض وغربها قد اجتمعوا فيها بين مجندين في جيشها أو غالبين على حكومتها أو مقربين في بلاط حكامها الاجانب، أو علماء يجمعهم الاسلام من كل الامصار والأقطار في صدره الرحب السمح.
ولقد أهمل مؤرخو مصر ذكر ابناء البلاد الصميمين اهمالا يكاد يكون ازدراء لهم واحتقاراً لشأنهم، إذ زعموا أن مهمة المؤرخ محصورة في حدود رجال الدولة وأهل الحكم ومن