كنت أصلي أمس في مسجد العباس، فلما قضيت الصلاة وتلفت للسلام لمحت (فلاناً) فكذبت بصري وعدت إليه أتثبته فإذا هو بلحمه ودمه، وإذا هو يصلي صلاة خاشع لله متبتل أواب، وكان آخر عهدي به أنه ركب في طريق الغواية رأسه، وأقدم إقدام الفرس الشموس، فحب في الضلال ووضع، وأغار ونجد، ثم انتهى به الخبط إلى الهاوية، فوقع (على أم رأسه) في اشتهاء راقصة مشهورة، وحسب هذا الاشتهاء حباً كالذي قرأ وصفه في الروايات فصنع مثلما يصنع المحبون: نسى عقله ودينه، وجاد بقلبه وماله، وعرفت منه الفاجرة هذه الحماقة، فاستنزفت دم (جيبه) وماء قلبه، ثم لم توصله إلى إربه ولم تمتعه بحبه. . . وكان له ضمير يناديه فأعرض عن نداء ضميره، وكان له إخوان ينصحونه فسد أذنيه عن نصح إخوانه، فلما يئسوا منه ومن صلاحه انصرفوا عنه وتركوه لنفسه وللراقصة ولإبليس، ثم للمرض والفقر وجهنم!
. . . فلما رأيته في المسجد عجبت وانتظرته حتى فرغ، فأقبلت فسلمت عليه وسألته، فقال: إن حديثي عجب، وإني لا أحب أن أتحدث به في بيت الله فتعال معي إلى بيتي تسمع حديثي. . .
وحدثني فقال:
إن الفضل علي فيما رأيت من توبتي لله ثم للشيخ صلاح الدين أحسن الله إليه، فلقد هداني الله به وهدى أقواماً بعد إذ كانوا ضالين. ولقد عرفت رجالاً شجعاناً أولي عزم وإقدام، وسمعت أخبار العلماء الذين واجهوا الملوك بما يكرهون، وأحاديث أهل الجراءة والصدع بالحق؛ ولا والله ما سمعت ولا عرفت بأجرأ من هذا الشيخ، ولا أثبت منه جناناً. . .
قلت: إذ صنع ماذا؟
قال: إذ وعظ في المرقص! أما سمعت الحكاية؟ لقد استفاض خبرها وتناقلته الصحف، وكان حديث السوامر أياماً طوالاً. . . وذلك أنه نظر فرأى طلاب العلم لا يزالون ينقصون، ورأى الناس ينصرفون عن المساجد فلا يحضرها إلا الكهول والعجز، وما