إن للإنسانية ضريبة على كل فرد، ولا يكاد يوجد فرد واحد يعجز عن تأديتها؛ اللهم إلا من ملأت الأنانية نفسه، واستولت الأثرة على قلبه، وهذا حري بأن يحذف من المجتمع، وتلفظه الإنسانية لفظة مهينة لا كرامة فيها!
والقرآن الكريم حين يشعر المرء بهذه الضريبة، وأنها واجب تحتمه المروءة، إنما يهدف إلى غرضين جليلين ساميين: أما الأول، فإثبات وجوده، وإظهار كيانه، وطبعه بطابع الخير والبر والتعاون، وتجنيده في خدمة الإنسانية، وإعداد نفسه للمعروف كلما ناداه الواجب واستصرخته المروءة. وأما الثاني، فدفع المرء إلى استغلال أوقات الفراغ فيما يفيد المجتمع ويسعده، واستنفادها في تدعيم أسس الخير التي يقوم عليها بناء كل أمة تبغي العزة في حياتها. .
وأولى أنواع هذه الضريبة بالإشادة هو فعل الخير، لأن الإنسانية في كل زمان ومكان متعطشة إلى الخير الذي يشد أزرها ويؤيدها في نضالها وكفاحها، ويضفي على رسالتها في الحياة إشراقاً يزيدها رفعة وسمواً، ويكلل مسعاها بالنجاح. .
(ولكل وجهة هو موليها، فاستبقوا الخيرات. . . ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات. . - فمن تطوع خيراً فهو خير له. . - ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم. . . ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير - يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون - وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم).
والإحسان نوع من ضريبة الإنسانية جدير بكل تقدير، لأن فيه تدعيماً للإخاء الإنساني، وبه تتقارب القلوب وتتآلف، وتترابط النفوس وتتصافى، والإحسان إما خير يفعله الإنسان بدافع من شعوره الإنساني، وإحساسه الأخوي، وإما عفو عن شرور الأشرار، ومقابلة إساءة المسيئين بالإحسان، وصبر على أذى المتعنتين من الظلمة والطغاة: