سعدت هذا الشهر بهديتين من أمتع الهدايا التي أوحت إلى موضوع هذا المقال، وهما مجموعتان من الأقاصيص، أولاها مصرية، والأخرى مصرية سورية، وصاحب المجموعة الأولى وأقاصيص من القهوة، هو شاب من خيرة شبابنا العصاميين، ليس أستاذاً في جامعة، ولا مدرساً في مدرسة، ولا محرراً في صحيفة. . . إنه شاب ممن آثروا الأعمال الحرة فنجحوا فيها لأنهم لم يستحيوا منها. . . إنه صاحب قهوة في مدينة دمنهور، إنه صديقي الأستاذ عبد المعطي المسيري الذي قدمه للقراء في الأمة العربية قاطبة الدكتور طه حسين، منذ عشر سنوات أو نحوها، بمناسبة كتيّبه القصصي الجميل (الظامئون)، الذي أهداه إلي في ذلك الحين، فكأن القطرة الأولى في كأس إخائنا المتين. والأستاذ المسيري قاص هادئ، يجري على فطرته، غير متأثر بأحد من كتاب القصة أو الأقصوصة في مصر أو في غيرها، وإن خيل إليه هو أنه صدى لهؤلاء القصاصين، وهذه إحدى النواحي الضعيفة فيه
كذلك من نواحي الضعف الشديد في الأستاذ المسيري أنه يبالغ في الاستخفاف بمنزلته في عالم القصص. فهو يتمنى أن تنشر له إحدى المجلات الممتازة شيئاً من هذه الأقاصيص التي ينشئها، ثم يطويها حتى يأذن الله فينشرها في إحدى مجموعاته. ولست أدري إن لم تنشر مجلاتنا هذا النوع الرفيع من القصص، فماذا عساها أن تنشر؟ أخشى أن يكون الأستاذ المسيري قد ترجم لنا عن مكنونات نفسه في تلك القصة الجميلة الثالثة التي أرسلها إلينا والتي طلبت فيها البطلة إلى البطل أن يكون أديباً ذائع الصيت ملحوظ المكانة في عالم الأدب، لأنها تمنى نفسها بأن تراه كذلك. وأخشى أن تكون القصة (عمتي) التي قلد فيها الأستاذ المازني هي تاريخ قصير لحياة المسيري نفسه. فالطفل الذي توفيت أمه ووكله أبوه