للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١ - أصحاب المعالي]

(إن الله يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها)

(حديث شريف)

للأستاذ محمد محمود زيتون

لست أقصد بهذا العنوان نقدا لوزراء آل الحكم إليهم أو زال عنهم، ولا أتحدث به عمن كانت لهم في الوزارة رياستان من سيف وقلم، ولا أريد أهل العوالي الذين كانوا يسكنون (العالية) في شمال المدينة المنورة، وإنما أرمي إلى الطواف على كل ذي همة عالية في التراث الإنساني عند العرب وغير العرب، في الماضي وغير الماضي، من الشعراء والفلاسفة والعلماء والمتكلمين والمناطقة وأهل الفن ورجال الدين وأساطين الاختراع، وجهابذة البيولوجية والسيكولوجية، وأستاذة الأخلاق والاجتماع والساسة والقادة وأئمة الإصلاح ورعاة الأمم ممن يمضون تحت لواء أصحاب المعالي الذين علو في سلم المجد إلى درجات العلا.

وفي الحق إنها لمخاطرة. . فما أوسع الأفاق، وما أرحب الجوانب، وما أصعب التجميع بين الأشتات، والتوفيق بين المنظوم والمنثور، والتأليف بين أعالي الجبال، والتأليف بين اعلي الجبال ومعالي الأمور.

وسنرى أن العرب - جاهلين وإسلاميين - كانوا حقا أصحاب المعالي في كل جانب من جوانب الحياة الكريمة، فقد امتلأت دواوين شعره، وسجلات نثرهم بكل مشتقات المعالي قولا وعملا حتى ليبدو للباحث المنصف أنهم أكثر أصحاب الحضارات إنتاجا في هذا الباب بحيث لم تكن تخلوا خطرات شاعرهم وناثرهم من الجبال العالية، حقيقة ومجازاً، بياناً وبديعاً، صراحة وكفاية.

لهذا انفردت اللغة العربية بوفرة المشتقات من هذه المادة. قالوا في الفعل: علا يعلو ويعلى، وتعالى يتعالى، وتعلى يتعلى، واعتلى يعتلي، واستعلى يستعلى، واعلولى يعلولي، وأعلى يعلي، وعلى يعلي، وعالي يعالي، واعل وتعال وعالي. وفي الاسم والصفة قالوا: والعلو والتعالي والاعتلاء والعلاء والاستعلاء والعلي والعلى والعلى، والعلوى والأعلى والعالي

<<  <  ج:
ص:  >  >>