إذا قيس قدر الفنان بعمله، وفنه بحسن اختياره، ومجده بتراثه، فأنك تجد روبنز في عصره إمام الفنانين، وحجة العارفين، لأنه الفنان الذي عاش لفنه، وشعر بالجمال فيما حوله، وبحث وراء المثل الأعلى في كل ما صادفه. صور الجمال فأبدع، والطبيعة فأحسن، والحياة فأجاد. صور القصص التاريخية والدينية فأوضح، والشخصية فعرف؛ لا تجد فيما ترك مجالاً للنقد، ولا بين ما أختار موضعاً للزلل
هذا هو روبنز الذي ولد في مدينة سيجين سنة ١٥٧٧، وانتقل في صحبة والديه وأخوته إلى كولونيا سنة ١٥٧٨ وبقى فيها إلى سن العاشرة ثم تركها إلى انتفرب سنة ١٥٨٨. تمتع بقسط وافر من التربية الراقية التي لم تكن دائماً متوفرة لغيره من الفنانين، ودان بكثير من درايته بالتاريخ العام والتاريخ الديني إلى المدرسة الكاثوليكية بانتفرب
شب روبنز مولعاً بمشاهد الطبيعة، موهوبا حدة النظر ودقة الملاحظة، له نظر سجل كل ما رآه؛ انجذب نحو الجمال، وتعطش إلى الخلود، وهام بالكمال المطلق
لم ير روبنز المثل الأعلى بين الموجودات، ولكنه ظل في خياله السامي، فعبر عنه جهد طاقته في تراثه المجيد
استمد من الطبيعة مادة التعبير والتصوير، فاستطاع إظهار ما انطوت عليه عبقريته وما جال بخاطره. كان من هذه الناحية عبداً للطبيعة، ولكنه فاز في النهاية بدرجة الوصول فكان سيدها، لأنه استمد منها مادته، ووصل بها إلى ما لم تصل هي إليه من تسام، إن قدر لنا أن نتأمله ونفهمه ونتأثر به، وصلنا نحن أيضاً بمشاعرنا إلى كمال الاستمتاع
كان أول معلميه للمناظر الطبيعية توبياس فيرهجت الذي وصل صيته إلى إيطاليا، كما كان أدم فان نورت معلمه لتصوير الأجسام والمناظر الشخصية؛ أما معلمه للفن والألوان فكان اوتوفان فين