ليست الأعالي ما يخيف بل الأعماق، فعلى الجرف تحدق العين في الهاوية وتمتد اليد نحو الذرى فيقبض الدوار بالإرادتين على القلب
أفتعلمون أيها الصحاب ما هي إرادة قلبي المزدوجة؟ إن الخطر المحدق بي على منحدري إنما هو اتجاه نظري إلى الذروة بينما تتلمس يدي مستنداً في الفضاء. وما أعلق إرادتي إلا على الإنسان فتشدني إليه مرهقات القيود لأنني منجذب منه إلى الإنسان المتفوق فإليه تندفع إرادتي الثانية. إنما أنا أحيا بين الناس كالضرير لا يعرف من حوله، كيلا تفقد يدي ثقتها من الوقوع على مستند مكين
أنا لا أعرفكم، أيها الناس، تلك هي ظلمتي أتلفع بها وتعزيتي ألجأ إليها
فأنا جالس أمام الباب متوجهاً إلى الأوغاد صائحاً بهم: إلي يا من يريد أن يخدعني
إن أول حكمة بشرية أعمل بها هي أن أستسلم لخداع الناس فلا أضطر إلى الوقوف أبداً موقف الحذر لأن في الناس من يخدعون
ولو أنني وقفت هذا الموقف في العالم أكان يتسنى للإنسان أن يثقل منطادي فيمنعه من الانفلات والانطلاق إلى أبعد الآفاق؟
إن إغفالي للحذر إنما هو عناية تسهر علي لإيصالي إلى ما هو مقدور
إذا أنت امتنعت عن الشرب من كل كاس فإنك هالك ظمأ، فإذا أردت أن تبقى طاهراً بين الناس فعليك أن تتعود الاغتسال بالماء القذر
لكم ناجيت قلبي، فقلت له: صبراً أيها القلب الهرم، إنك لم تفلح بهذه النقمة فتنعم بها كأنها نعمة
وهذه حكمتي البشرية الثانية: إنني أداري المغرور بأكثر مما أداري الفحور، لأن الغرور الجريح مبعث كل النائبات، في حين أن العزة الجريحة تستنبت جرحها ما هو خير منها