للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أمنية الشاعر!]

لشاعر الحب والجمال لا مرتين

بقلم الأستاذ صبحي إبراهيم الصالح

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

. . . وكأنما عز على لا مرتين أن يتعب روحه ويضنيها في البحث عن الله، أو كأنما شعر أنه أوفى من بحثه على الغاية التي يحق للبشر أن يوفوا عليها - فآثر أن يستريح راضياً بأمنية يتمناها مخافة أن يلجئه طول البحث إلى الكفران والجحود، فتأوه مشتاقاً إلى الحقيقة، ثم تمنى خاصة واحدة من خواص الملائكة، فغض بصره عن حياتهم السرمدية، وعن سعادتهم الأبدية، ولم يرج سوى الإلهام له وللناس: لأن الإلهام هو الذي أرضي الملائكة بربها فسمعت وأطاعت، وحرية التفكير هي التي بعثت البشر على الانطلاق فخضعوا طوعاً أو كرهاً؛ ولكن الذين خضعوا كارهين ما برحوا يستغربون لماذا ألهم الله غيرهم الطاعة فأنشدوا لحن الخلود، ولم يلهمهم هم فعاشوا في شقاء من بعده جحيم؟. .

(٩ - إن ما أتمناه من الملائكة ليس حياتهم السرمدية، لا، ولا سعادتهم الأبدية!

ولكنه الإلهام. هذه الحاسة التي يستطيع بها القلب الجحود، أن ينشد لحن الخلود!)

ويخيل إلى الشاعر أن الله أجابه إلى رجيّته، فأنار بصيرته بوميض من الإلهام؛ فإذا هو لا يكتم فرحه بما يجول في نفسه، ولكنه يقر بأنه لا يقدر على إبداء هذا المعنى السامي الذي انكشف له، فكان أعظم من الأمواج الصاخبة، ومن الصواعق الغاضبة، فيترك سره لليل ليظهر الناس عليه:

(١٠ - يساور نفسي شيء أرق من الصِّبا اللعوب، سيذيعه الليل ويُفشيه!

شيء أعظم من الموج، ومن الصاعقة الغضوب، وقلبي لا يستطيع أن يبديه!)

ويقارن لامرتين بين هذا الوميض الذي انكشف لبصيرته وبين أسرار الطبيعة التي احتجبت عن بصره، ويتسمّع إلى لحن الوجود النفاذة إلى أعماق النفوس، فيرى أنه لم يؤت من الإلهام إلا قليلا، ويرى أن لثَبَج البحر لحناً أوقع من لحنه، ولجذوع الغابات نَغَماً أروع من نَغمه، وللعواصف الهوج نشيداً أقوى من نشيده، وللأنهار الجارية أغاريد أحلى من

<<  <  ج:
ص:  >  >>