للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التشبيه في القرآن]

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

- ٤ -

أول ما يسترعي النظر من خصائص التشبيه في القرآن أنه يستمد عناصره من الطبيعة، وذلك هو سر خلوده، فهو باق ما بقيت هذه الطبيعة، وسر عمومه للناس جميعاً، يؤثر فهم لأنهم يدركون عناصر، ويرونها قريبة منهم وبين أيديهم، فلا تجد في القرآن تشبهاً مصنوعاً يدرك جماله فرد دون آخر، ويتأثر به إنسان دون إنسان، فليس فيه هذه التشبيهات المحلية الضيقة مثل تشبيه أبن المعتز:

كأن آذريونها ... والشمس فيه كالية

مداهن من ذهب ... فيها بقايا غالية

مما لا يستطيع أن يفهمه على وجه، ويعرف سر حسنه، إلا من كان يعيش في مثل حياة أبن المعتز، وله من أدوات الترف مثل أدواته.

تشبيهات القرآن تستمد عناصرها من الطبيعة. أنظر إليه يجد في السراب وهو ظاهرة طبيعية يراها الناس جميعاً، فيغرهم مرآها، ويمضون إلى السراب يظنونه ماء، فيسعون إليه، يريدون أن يطفئوا حرارة ظمئهم، ولكنهم لا يلبثون أن تملأ الخيبة قلوبهم، حينما يصلون إليه بعد جهد جهيد، فلا يجدون شيئاً مما كانوا يؤملون. أنه يجد في هذا السراب صورة قوية توضح أعمال الكفرة، تظن مجدية نافعة، وما هي بشيء، فيقول: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.

ويجد في الحجارة تنبو على الجس ولا تلين، ويشعر عندها المرء بالنبو والجسوة، يجد فيها المثال الملموس لقسوة القلوب، وبعدها عن أن تلين لجلال الحق، وقوة منطق الصدق، فيقول: (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك، فهي كالحجارة أو اشد قسوة) أولا نرى أن القسوة عندما تخطر بالذهن، يخطر إلى جوارها الحجارة الجاسية القاسية؟

ويجد في هذا الذي يعالج سكرات الموت، فتدور عينه حول عواده في نظرات شاردة تائهة، صورة تخطر بالذهن لدى رؤية هؤلاء الخائفين الفزعين من المضي إلى القتال وأخذهم بنصيب من أعباء الجهاد، فيقول: (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم: هلم إلينا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>