للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

زكي وفريد أبو حديد، ولا أمثال من خرجتهم كتب الأزهر كالعقاد والرافعي وشوقي وحافظ في مصر، كاليستانيين واليازجيين والشدياق ومطران والخوري في لبنان، والمغربي وجبري والطنطاوي والأفغاني في سورية، وكالرصافي والزهاوي وكاشف الغطاء والراوي والانري في العراق، وكالنشاشبي والسكاكيني وغيرهما في فلسطين.

هذه يا سادتي مخاوف ألقاها في روعي ما أرى من ضيعة الأدب الحاضر بين تسامح القائمين عليه وزهادة الناشئين فيه، والأمل في عميد الأدب القائم عليه الآن في مصر، وفيكم يا حماة العربية ودعاة العروبة في كل قطر، ألا يتحقق من هذه المخاوف شيء. ومناط هذا الأمل أنكم تؤمنون جميعاً بأن العربية هي عماد ثقافتنا، ورباط جماعتنا، وبأن أدبها هو التراث الروحي المشترك الذي يثور في دمائنا لننهض، ويصرخ في آذاننا لنتحد، ويشتد في حدائنا لنلحق.

إن الأدباء في كل أمة هم الذين يحملون شعلة الفن والفكر وينقلونها بالتتابع، يسلمها السالف للخالف فيغذيها وينفخ فيها لتظل في طريق الأبد باقية نامية هادية. وأدباؤنا الشيوخ وهم خريجوا الماضي قد تسلموا شعلة الفكر العربي في أواخر القرن التاسع عشر من أدباء لم تهيئهم ثقافتهم ولا حضارتهم ليمدوها بوقود من عصارة الذهن ولا بقبس من نور الوحي، فكادت تنطفي؛ ولكن الله قد أتاح لأدبائنا الذاهبين من مواتاة الملكات وتهيئوا الوسائل ومعاونة الظروف واستكمال الأداة ما مكنهم من إذكاء هذه الشعلة، فأوقدوها بالزيت والكهرباء، وجلوا نورها السماوي في بلور كالكوكب الدري، فتألق سناها وتنشر هداها. وهاهم أولاء يكادون يسلمونها لشباب الغد خريجي هذا العصر، فليت شعري ماذا تصنع بها الأحداث، وماذا يخبئ لها القدر؟

أنا بالرغم مما أتوجس من المخاوف متفائل، لأن الله سبحانه الذي يقول: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) قد ضمن للعرب بقاء البيان ببقاء القرآن. وفي هذه القلة البارة من أدباء الشباب في أقطار العروبة نرجو أن يحقق الله وعده، وان الله لهو خير الصادقين.

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>