للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الوكر المهجور. .!]

للأستاذ عبد العزيز الكرداني

هذا العش الوداع الجميل لمن يا أخت تهجرين؟! هذا الوكر الدافئ من يؤرث مسراته ومن يخمد جذوات أحزانه. .؟!

من يستقبل رواده ومن يشيع ضيفانه ومن يقف ببابه يهش لمقدم راعيه؟!

من يرفع بأنامله الدقيقة ستائر منافذه الشفيفة، ويطل من خلالها بعينين زائغتين لهيفتين، تترقبان أوبة حاميه_والقلب واجف، والدمع مهراق. .؟!

من يهون عليه رحلاته الجاهدة في خضم الحياة؟ من يبارك فتوته وينضد عقود أمانيه؟. .

من يكفكف عبرته، من يضم رأسه المثقل العاني إلى صدره الرحيب الحاني؟ من يزيل عن جبهته أو ضار الكلالة والسآمة والكمد. . .

من؟ من غيرك يا أخت؟!

هذا العش الودع الجميل، لمن يا أخت تهجرين؟! من غيرك يدب في أرجائه دبيب الروح في الهيكل المبعوث؟ من غيرك يحيل (الكلمات) بين جدرانه الصماء كائنات حية، تضفي على جمادات الحياة، وبفيض على أحيائه الحيوية، وتنسكب في النفس بلسما للجراحات، وتكون للمشاعر المضطربة والأهواء الحائرة مثابة، وتكون للقلوب عن كل خطب داهم موجع سلوى وتعزية؟

من؟! من غيرك يا أخت؟!

هذا الوكر الدافئ الجميل - يا أخت - هو (الطيف) الذي يغازل تهاويل الصبا المراهق. . هو (الفجر) الذي يعانق آمال الشباب الوضئ اليافع، هو (الفكرة) الملحة المخامرة لذهن الرجولة الواعية العاقلة، هو (العزاء) للكهولة الجاهدة الصابرة، هو (الرحمة) الهابطة على حطام الشيخوخة العاجزة الفانية، هو (الحلم) الذهبي السرمدي لكل عذراء استهدت فطرتها الكاملة!

هذا الوكر الدافئ الجميل - يا أخت - هو موضع السويداء من قلب الإنسانية، هو جوهرها وحقيقتها الخفية، هو الملاذ لها في كل أحوالها، هو الغطاء الساتر لضعفها، هو النشيد المستحث لخطاها، هو المحط الذي ترتد إليه بعد كل سعي دؤوب، وإثر كل إخفاق أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>