(ترجمة المحاضرة التي ألقاها الفيلسوف هنري برجسن في
دار المعهد العام لعلم النفس)
إن المحاضرة التي عُهد إليّ بإلقائها معقدة ومثيرة لمسائل عديدة: منها ما يتعلق بعلم النفس، ومنها ما يتعلق بعلم الحياة وأيضاً بما وراء الطبيعة. والموضوع يتطلب شرحاً طويلاً ولدينا القصير من الوقت، لذلك أطلب إليكم أن تعفوني من كل مقدمة حتى نبحث الموضوع مباشرة
هاك حلم: أرى أشياء مختلفة تمر أمامي وليس واحد منها موجوداً فعلاً - يخيل إليّ أنني أغدو وأروح، أمر بسلسلة من الحوادث بينما أنا نائم في فراشي بكل هدوء. أصغي إلى نفسي تتحدث وأسمع من يجيبني، ولكن أنا لا أفوه بشيء. فمن أين هذا الوهم؟ لِمَ ندرك أشخاصاً وأشياء كأنها موجودة حقيقية؟
ألا توجد أشياء حقيقية؟ أليست هناك بعض المواد الحسية تتهيأ أمام السمع أو البصر أو اللمس الخ. . . في وقت النوم كما هو الشأن في وقت اليقظة؟
لنغمض أعيننا ونرى ماذا يحدث. كثيرون من يقولون إنه لا يحدث شيء لأنهم لم يتبصروا في الأمر، ولكننا في الحقيقة نرى أشياء عديدة: أولاً نرى قاعاً أسود ثم بقعاً مختلفة الألوان باهتة حيناً وبراقة حيناً آخر، وهذه البقع تتمدد وتنقبض، تبدل ألوانها وتتحدى الواحدة منها الأخرى. وهذا التبدل يمكن أن يكون بطيئاً متدرجاً ويمكن أن يتم في بعض الأحيان بسرعة شديدة. فمن أين هذه التخيلات؟. تكلم علماء الحياة وعلماء النفس عن (غبار منير) وعن (طيف بصري) وعن (شرار العين) فتراهم ينسبون هذه الظواهر إلى التغيرات البسيطة التي تحصل باستمرار في الدورة الدموية في شبكة العين، أو إلى الضغط الذي يسببه الجفن المقفل على المقلة والذي يؤثر تأثيراً آلياً على العصب البصري - ولكن قلما يهمنا شرح الحادث أو الاسم الذي يطلق عليه - إن هذا الحادث عام لدى الجميع ويقدم بلا شك المادة