للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لو كنت الرافعي!]

للأستاذ محمد احمد الغمراوي

كنت أقرأ بعض كتابات الرافعي رحمه الله في بعض أعداد الرسالة حركني إلى قراءتها أني وقعت على (وحي القلم) في مجلد واحد نسيه الأستاذ عزام عند الدكتور الدرديري في جمعية الشبان المسلمين، فأخذته أجيل الطرف فيه، وكان كتابي وحي القلم قد استعاره أخ لي فلم أقراه مجموعاً وإن قرأت أكثره متفرقاً في (الرسالة)

قرأت من تلك المقالات الحسان مقالة (دعابة إبليس) وقد ضحكت لبعض تصويره للمواقف ما لم أضحكه من زمن طويل، وسرني أن إبليس شغله الأوربيون يوم الأحد فترك الرافعي يكتب هذا المقال بعد أن ظل يحاوره ويداوره ويعاجزه حتى كاد يعجزه، لولا أن الأوربيين لم يتركوا له وقتاً يوم الأحد!

ورجعت إلى المنزل أردد هذا المقال في خاطري وأجد له تطبيقات وتوجيهات عندي. ومن ذا الذي لا يشاغله إبليس ويعاجزه فيما يروم وفيما يحاول؟ ومن ذا الذي لا يسخر منه إبليس إذ يخدعه المرة بعد المرة عن الشيء بعد الشيء بنفس الطريقة وبنفس النتيجة؟ ومن ذا الذي كلما خدعه إبليس مرة لم يزل يرجو ويؤمل أن تكون تلك آخر مرة ثم يقع في نفس الشرك الذي وقع فيه من قبل - وهو يعلم أنه قد وقع من قبل فيه - يستزله الشيطان بالأمل والرجاء حتى يقع؟. . . كلنا ذلك الرجل فليس فينا مثلاً من لم يخدع مرة بعد المرة عن صلاة العشاء وهو متعب لينام، أو لكي يؤديها بعد في جوف الليل فيجتمع له بذلك مع الفريضة التهجد، فينام ولا يقوم - إن نام - إلا بعد الفجر. وليس فينا من لم يخدع عن الفجر، بل عن الصبح بتسويفه القيام خمس دقائق يتذوق فيها في يقظته بقية الراحة التي كان يجدها في نومه أو ليهدأ فيها جسمه، أو ليجف فيها عرقه، فلا يستيقظ بعدها إلا عند طلوع الشمس. كلنا ذلك الرجل على اختلاف تجاربنا مع الشيطان. وللشيطان طريقته في خدع كل إنسان، لكنني لا أشك في أنه وإن اختلفت خدعه وطرائقه التي يستزل بها الناس،، لا يزال يسوي بينهم جميعاً في شيء واحد هو كره على الواحد منهم المرة بعد المرة بنفس الأسلوب وبنفس النتيجة؛ فإذا خطر لأحدهم في موقف وقفه من قبل أن هذا من الشيطان وأن الشيطان خدعه بهذا من قبل ففوت عليه غرضه، مهد له الشيطان سبيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>