للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البريد الأدبي]

الأدب البلغاري

الأدب البلغاري من الآداب الأوربية الفتية التي نشأت وازدهرت بسرعة مدهشة؛ فالأدب البلغاري الحديث يرجع إلى نحو ثلث القرن فقط، أي إلى عهد الاستقلال القومي، ومع ذلك فقد سارت هذه النهضة الأدبية واستكملت عناصر النضج بسرعة. وقد نشر الكاتب البلغاري نيكولاي دونتشيف أخيراً كتاباً بالفرنسية عنوانه (المؤثرات الأجنبية في الأدب البلغاري) استعرض فيه مراحل الحركة الفكرية في بلغاريا وخواصها؛ وملخص بحثه أن هذه الحركة على فتوتها قد استطاعت أن تستكمل عناصر ثقافة تامة؛ ومن الطبيعي أن تتجه قبل كل شيء نحو المثل والأماني السلافية، على أنها لم تهمل الاقتباس من مختلف الآداب الأوربية التي تستطيع الانتفاع بها؛ وقد ألفت الحركة لسانها وروحها في الوطن البلغاري، ولم تتدخلالمؤثرات الأجنبية إلا لتصوغ أو توجه هذه المادة القوية الأصيلة، ولكنها لك تحولها قط عن طرافتها وتقدمها الطبيعي

وقد استطاعت الحركة الفكرية البلغارية في مبادلاتها مع آداب الأمم الأخرى أن تنفذ إلى جميع نواحي الشعر والنثر والخواص النفسية، وجميع مظاهر التفكير البشري؛ ويشرح دونتشيف في كتابه مختلف التيارات التي اندمجت في المجرى القوي الذي أوحى به الاستقلال القومي، ويبين كيف أن هذا الأدب الفتي الذي أستعاد كل ثروته اللغوية، قد تحول إلى مادة غنية تضم كل ما وهبته الأمم المجاورة أو كل ما بثته فيها

والأدب البلغاري لا يزال بلغارياً في روحه وجوهره، وذلك رغم تأثره بالآداب الروسية والفرنسية والألمانية، مما يدل على قوته وحيويته؛ فهو لم يخضع قط لهذه المؤثرات خضوع العبد المساق، وهو ليس مقلداً ولا ناقلاً فقط؛ وكل ما هنالك أنه كالتلميذ الذي يستقي من أستاذه، ليصوغ ما يأخذه في معدن عبقريته المستقيلة، وهو لا يقتبس إلا ما يفيد في تغذية قلبه وروحه، ويرفض كل ما هو سطحي أو مصطنع؛ وكل ما يخرجه يتميز بطابعه الخاص، بحيث لا يطغي عليه أي طابع آخر، وهذا الازدهار نتيجة طبيعية لحركة لا تدور حول نفسها عبثاً، ولكنها تفتح صدورها لكل الرياح التي تهب عليها من كل مكان يتفتح فيه الذهن البشري، فتزداد في ذلك نماء وخصباً

<<  <  ج:
ص:  >  >>