(. . ولكن أصحاب النحل الخبيثة وذوي المطامع لم يرضهم في الزمن الغابر، ولا يرضيهم في الزمن الحاضر، أن يعيش الناس وادعين راضين في ظلال النظم المشروعة، فهبوا يعارضون أوامر الله ووصايا الرسل بتسليط الغرائز وتحكيم الشهوات، فتمردوا على الدين، وتحللوا من الخلق، وتحرروا من القيود.)
الزيات
تقوم الحياة الاجتماعية للشعوب والأمم، على سنة ثابتة من الرقي والتطور التدريجي الذي يسير في طريق طبيعي منذ القدم. ومن الوهم، استطاعة نقل حياة الناس من حال إلى آخر بنظام يبتكر أو مذهب يتخيل فيه واضعوه أية سيطفر بهذه الشعوب مرة واحدة. وقد رسخ في وهمهم أن الجماعات الإنسانية لو قامت على هذه النظم وسارت على تعاليمها، لوصلت إلى حالة أرقى وعيش أسعد، مما عليه حياتها القائمة.
وقد انتشر كثير من هذه النظم والمذاهب في هذه الأيام، فأطلق أصحاب هذه المذاهب العنان لخيالهم الذي أتى بكثير من الانتاجات التي تعتبر وصمة عار في جبين الإنسانية المتحضرة في القرن العشرين. والعجيب أن تنبع هذه المذاهب الهدامة والنظريات المتوحشة، من أوربا المتمدينة التي يدعي شعوبها أنهم أكثر الناس إنسانية وحضارة؛ هذه المذاهب التي تقول بإبادة الضعفاء والمرضى وأصحاب العلل والعاهات حتى لا يبقى إلا الأقوياء القادرون على الكفاح في الحياة، فلا يكون أولئك المرضى الضعفاء عقبة في سبيل التقدم، بإعالة المجتمع لهم وصرف بعض الجهد في سبيلهم.
واكثر هذه المذاهب تطرفا (الشيوعية) التي أخذت تغزو بعض الشعوب فتقلب أمرها رأسا على عقب، تزلزل بنيانها وتهدم أركانها.
يقوم هذا المذهب على أركان رئيسية ثلاثة:(١) أن تكون أرض الوطن وما عليها ملكا للأفراد والأمة على السواء، وذلك بمحو الملكية الفردية وإبطال الحقوق المكتسبة بالجهد والسعي. وفي هذا ما فيه من إضعاف روح الجد والطموح إلى العلا. فهم يتوهمون أن العقر المنتشر بين الطبقات وفي الشعوب سببه سوء توزيع الثروة بين أفراد الشعب، وهم بهذا يريدون أن يرجعوا بالناس آلاف السنين إلى الوراء يوم أن كانوا في العصور الهمجية