للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عودة إلى تحفة الأستاذ علي طه]

أرواح وأشباح

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

(تتمة)

ألم يتضح بعد أن كلام الشاعر في الفنان وعلاقته بالمرآة ليس جماع ملحمته، على ما قد يذهب إليه وهم واهم؟ أليس ذلك الكلام سبيلاَ إلى وصف الكفاح بين الروح والجسد بذكر حقائق بشرية عامة هي المادة التي صدر عنها خيال الشاعر؟ ألحق أن شعره تحفة من الأدب الإنساني الصادق بعينه. ويجعل بالقارئ وهو يطالع مثل هذه التحفة ألا يميل إلى الكسل كي لا يمنعه من البحث فيها عن المميزات التي تدخلها في نوعها من الأدب. فإن هو أدرك هذه المميزات رأى أن التحفة فتحت باباَ جديداَ واسعاَ في الأدب العربي بالاقتباس من أنواع الأدب الأجنبي، وعرف قدرها خصوصاَ من هذا الوجه

فقد توافرت فيها مميزات النوع المعروف عند الغربيين باسم ملحمة: شعر في الإنسانية يعبر عن وجدانيات وفكر معروفة في المأثور من أساطيرها الشرقية والغربية، وفي المعهود من طبعها وعاداتها وخلالها وعقائدها، وفي علمها وأدبها. وهو شعر رفيع صادر عن إيمان من الشاعر برأيه، ويشف عن إيمانه لهجته وبلاغته فيما قص؛ وقد مزج الحقيقة والخيال في قصصه، وبعث فيه الحركة والحياة بفنه؛ وطالت قصيدته حتى بلغت أربعمائة بيت ونيفاَ. فهي ملحمة ليست يونانية موقوفة على تمثيل شخصيات بعينها من جيل إغريقي معين، ولا مترجمة، ولا فرنسية، بل هي إنسانية مبتكرة في الأدب العربي وإذا كانت العزة القومية تغرى بأن نسر لمثل هذا التجديد فإنما وجه السرور أننا نأخذ من الأجنبي ما يلائمنا ويندمج في آدابنا وأساليبنا، كما أخذ أسلافنا وكما هو منهم وأفلح، وأنها جاءت ملحمة عربية من أدبنا في القرن الرابع عشر الهجري، ومعنى ذلك أننا ما كنا لننفر من أدب بني جنسنا، بل إننا نرجو له أن يتلخص كل التخلص من الجمود ليتصل كمال الاتصال بحركة الحياة الإنسانية الحاضرة فيعود إلى ما كان عليه من خصب في أيامه الذهبية

وهذه الملحمة أدب عربي لا يقاس على كل مقاييس الآداب الأجنبية حتى يقال، مثلا - من

<<  <  ج:
ص:  >  >>