أجل بيت أو بيتين - هذا شعر رومانتيكي، ولم يكن للأدب العربي عصر رومانتيكي بمدلول هذه الكلمة الأجنبية، أو حتى يقال إن نظرة الشاعر إلى الفن والحياة في ملحمة نظرة رومانيتكية جعلت من الفنان (صدى عابراَ. . . ورحاَ مجنحة الخاطر) في حين أن نظرته إنسانية اجتماعية لا فردية، وعقلية لا وجدانية، وأن عرض هذه النظرة بشعر مزاجه الخيال والوجدانيات وبلاغة هزة الإلهام، وكان فيه ما في طبائع البشر التي وصفها من انفعالية وشهوانية
ألا أن هذه التحفة شعر يملا النفس جلاله، ويثير الفكر في موضوعه الذي تترامى آفاقه كلما حاول النظر أن يتتبعها؛ وإن صاحب التحفة لشاعر شاعر، أسلوبه ساحر، وهو قادر حتى على تشريف كلام يعد خارج شعره من السهل غير الممتنع، كالبيت الثالث من قوله:
وكنت فتى ساذجاَ لا أرى ... سوى دمية صُوِّرت من نقاء
أنيل الثرى قدمَي عابر ... يعيش بأحلامه في السماء
فأصبحت شيئاَ ككل الرجال ... وأصبحت شيئاَ ككل النساء
أليس في ثالث هذه الأبيات كل حسرة الفنان المؤلمة على روحه الخائبة، وكل لهفة على ما استحال من نظرته العفيفة إلى الجمال يوم كان فتى ساذجاَ لا يرى مكر الغريزة به لشغله عنها بخواطر وخوالجه السامية، ومثله العليا في الحياة؟ أليس ما أفعم قلبه من أسف مصوباَ كله في قوله (شيئاَ) للتحقير؟ وقد قوى التنكير ما حملت كلمته من معنى التحقير في موضعها من سياق البيت تلو البيتين البليغين الأولين، وانتقل هذا المعنى بأداة التشبيه إلى كل الرجال. ثم أليس شجوه لتدهور المرأة معه، أو تدهوره معها، مركزاَ في الشطرة الثانية من البيت؟ ألم يصبح كلامه من السهل الممتنع؟ الحق أن ما فيه من مزية شعرية، وروعة معنى، وسحر بيان، هو شيء بليغ يعلى النفس ويعلو على كل تقدير. وهو شيء ليس يستطيع إنكاره سوى الذين لا يعرفون كنه الشعر فيظنون أن الشعر هو ما تزدان به ماهيته الخافية عنهم من التشبيه الجميل، والمجاز البارع، والكناية البديعة؛ وإنما أولئك زينة الأبواب، وقد يكون لؤلؤها بهرجا، وزواقها خادعا، فتكون معارض زائفة تنقص قيمة الشعر أو لا شعر تحتها.
وهل من قول في أسلوب علي طه بعد أن كتب إليه خليل بك مطران: (جئت بالطريف من