اعلم - أيها المسكين - أن الأيام شهود لك وعليك، فإن تمالأت على تزكيتك فأنت السعيد، وإن توافقت على تكفيرك فأنت حامل العبء الثقيل، وإن جرح بعضها شهادة بعض فإن الله كريم. أيها اليوم الحاضر، إن أمس ذهب وأنت أقرب الأيام إليه، وقد حمل عني كتاباً يشتمل على الغفلة والتفريط، فدراكه دراك، إن فاتك فأنا أحد الهالكين. وإن عجزت أن تلحقه فإن الغد أعجز منك. وكيف تدركه وغداتك لا ترى ضحاك، وأصيلك لا يتفق مع الهجير، والله على الممتنعات مقيت. فناد في أثره عليه بإذن الله يسمع دعاء الداعين، فإن أجابك فقل: إن البائس فلانا يسألك أن تلقي الصحيفة من يدك. ولو نطق لحلف لا أستطيع، أنا أمين عالم الدفين، ولو فعلت لرهبت من المعصية كما تخاف، ولكن أنا وأنت عند الله كفرسي رهان، فإذا شهدت عليه بالمعصية فاشهد له بالطاعة.
٧٦٢ - بعد فهمهم وتأخر معرفتهم
كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري:
قد رأينا الله تعالى إذا خاطب العرب والأعراب أخرج الكلام مخرج الإشارة والوحي، وإذا خاطب بني إسرائيل أو حكى عنهم جعل الكلام مبسوطاً. فمما خاطب به أهل مكة قوله سبحانه (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب) وقوله تعالى: (إذن لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) وقوله تعالى: (أو ألقى السمع وهو شهيد) في أشباه لهذا كثيرة. وقلما تجد قصة لبني إسرائيل في القرآن إلا مطولة مشروحة ومكررة في مواضع معادة لبعد فهمهم، وتأخر معرفتهم.
٧٦٣ - إن أعاد كلام نفسه سلمت له ما قال
كان أبو بكر الباقلاني (العالم المتكلم المشهور) كثير التطويل في المناظرة مشهوراً بذلك