للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لماذا ينتحر الناس؟]

بحث نفسي اجتماعي

للدكتور أحمد موسى

لم يكن الانتحار معروفاً في مصر قبل ربع قرن! وكان الناس على الأرجح أكثر قناعة واحتمالا وأرحب صدراً لمقابلة آلام الحياة وأقل تبرماً بها! أما اليوم ولاسيما خلال العشر السنوات الأخيرة فقد بدت ظاهرة مخيفة، هي إقدام الكثيرين على الانتحار سواء في ذلك الشبان والشابات والنساء والرجال دون فرق ظاهر بين متعلم وجاهل وبين فقير وغني وبين صحيح ومريض وبين متزوج وأعزب.

ولبيان خطورة هذا المسلك ودراسة الدوافع إليه والنتائج المترتبة عليه يجدر بنا أن نلقي نظرة بسيطة على الإحصاء الدقيق المعمول في أمريكا وأوربا.

وخير ما يمكن أن يدرس هو الإحصاء الذي سجله الدكتور فردريك هوفمان أحد مديري شركات التأمين الكبرى في نيويورك، وهو بحكم دراسته ووظيفته ومدة اشتغاله بالإحصاء أكثر من ثلاثين عاماً يعد من الثقاة في هذا الموضوع. يقول هوفمان إن عدد المنتحرين بلغ في سنة ١٩٣٥ سبعة آلاف، ويقرر بعد عمل المقارنة أن هذا العدد الهائل يعادل ما حصل في بحر عشر سنوات من سنة ١٨٨٩ إلى سنة ١٨٩٨، وهذا دليل على أن ترمومتر الانتحار آخذ في الارتفاع.

ومع الاعتراف بفضل تقدم الوسائل الاقتصادية وتأمين العمال ومساعدة العاطلين مالياً وإيجاد سبل العمل لأكبر عدد منهموالتقدم العمراني العام وانتشار التعليم إلى جانب انتشار وسائل التلهية والتسلية؛ فإن هذا كله لم يكن ليمنع ازدياد الانتحار بين الناس على غير ما كان منتظراً ومأمولا.

هذا ما وقع في أمريكا ولكنه قد لا ينطبق تمام الانطباق على ما يحدث في أوربا، وقد يخالف ما يحصل في الشرق على وجه الخصوص.

والشيء الذي تجب ملاحظته هو أن الانتحار يكثر عادة في البلاد المتمدينة عنه في البلاد المتأخرة، وفي العواصم والمدن الكبرى عنه في البلدان الصغيرة والقرى، أي أن حوادث الانتحار ترتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار المدينة؛ ولذلك فلا غرابة إذا وجدنا أن الانتحار غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>