إن أول ما يتبادر إلى ذهن الإنسان حين يذكر اسم الصين هو ذلك الجمود الذي ران عليها طويلاً دون بقية أمم العالم، حتى صارت بذلك رمزاً على التأخر والتخلف والمحافظة على القديم وعلى كل ما هو ثابت راسخ لا يكاد يتحرك ولا يتغير ولا يتطور. ولقد كان للصين في يوم ما حضارة تعتبر من أقدم وأرقى الحضارات التي عرفها الإنسان، ولكن الصين اليوم تأتي في ذيل الأمم المتحضرة المتمدينة.
ومع أن الناس جميعاً يعرفون عن الصين ذلك، إلا أنهم لا يكادون يعرفون عنها شيئاً صحيحاً عدا ذلك؛ وقد ساعد على هذا الجهل بالصين وبحياتها وبعادات أهلها بعدها النائي وشبه العزلة التي تعيش فيها، وبعد الشيء قد يكون سبباً كافياً للجهل به. ولكن الصين مع ذلك كتب عنها الشيء الكثير، ولكن كثيراً مما كتب بعيد كل البعد عن الحقيقة. . .
إن معظم الذين يكتبون عن الشرق من الأوربيين قليلاً ما يتوخون الحقيقة والواقع، وكثيراً ما يصدرون فيما يكتبون عن بعض أهواء وشهوات في نفوسهم يريدون إرضاءها ويظهرون الشرق على غير ما هو عليه، بل وحتى إذا كانوا منزهين عن تلك الأهواء والشهوات فقليلاً ما تكون كتاباتهم صادرة عن الفهم العميق الصحيح لما يرون أمامهم؛ لذلك قلما نجد كتاباً يتناول مسائل الشرق وحياته بدقة وصدق وفهم على الرغم من كثرة ما كتب عن الشرق وحياته.
ومن تلك الكتب الدقيقة القليلة كتاب عن الصين ظهر تحت عنوان: (الصينيون وكتبته سيدة تدعى وينفريد جالبريث أمضت فترة طويلة من حياتها بالصين؛ فقد نزحت إلى هناك من إنجلترا بعيد الحرب الكبرى الماضية واشتغلت بالتعليم في مدارس الصين، ولا تزال تعيش هناك حتى الآن، أو على الأقل حين أصدرت كتابها في عام ١٩٤٢. ولا شك أن طول الفترة التي أمضتها في الصين، وطبيعة العمل الذي زاولته هناك، قد أتاحا لها فرصاً طيبة للوقوف على خصائص الحياة الصينية وأسرارها قلما تتاح للكثيرين. وعلى ذلك نستطيع أن نقول مطمئنين آمنين إن ذلك الكتاب صدر عن فهم عميق للصين وطبيعتها