للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جناية أحمد أمين على الأدب العربي]

للدكتور زكي مبارك

- ١٩ -

رأينا في المقال السالف كيف أخطأ الأستاذ أحمد أمين حين زعم أن الأدب العربي على اختلاف عصوره ليس فيه إلا شاعر واحد يهتم بتحليل المعاني

فهل نجاه الله من الخطأ حين زعم أن الأدب العربي لم يعرف غير كاتب واحد يهتم باستقصاء الأغراض؟

إن الله لطف بابن خلدون فشغل به قلب الدكتور طه حسين لتعلو منزلته في نظر الأستاذ أحمد أمين، فأغلب الظن أن احمد أمين لم يكن عنده مانع من القول بأن الأدب العربي في جميع العصور وفي جميع الأقطار لم يخلق فيه كاتب يعرف كيف يشرح المعاني والأغراض على نحو ما يصنع الكتاب في هذه الأيام!

والحق أن بُعد الدكتور طه حسين عن مصر في أيام الصيف عرض الأستاذ أحمد أمين للمعاطب، فلو أن الدكتور طه بقي في مصر لكان من الجائز أن يعلن إعجابه بكاتب آخر غير ابن خلدون، وعندئذ كان يصح للأستاذ أحمد أمين أن (يتفصل) فيقول إنه لا يعرف في الأدب العربي غير كاتبين اثنين؛ وكان من الجائز أيضاً أن يعلن الدكتور طه حسين إعجابه بكاتب ثالث فيقول الأستاذ أحمد أمين إنه لا يعرف في الأدب العربي غير ثلاثة من الكتاب!

فهل نرجو أن يتلطف الدكتور طه حسين فيقول إنه لا يُعقَل ألا ينبغ في الأدب العربي غير كاتب واحد في ذلك الأمد الطويل الذي سيطر فيه على أقطار أسيوية وإفريقية وأوربية؟

إن الدكتور طه لو قال هذه الكلمة - وهي حق - لسرت عدواها إلى روح الأستاذ أحمد أمين فاندفع يثني على الأدب العربي بما هو أهله، ولكان من الممكن أن يصرح بأن الأدب العربي نبغ فيه من الكتاب عشرات أو مئات

ولكن الدكتور طه يترفق بأصدقائه أشد الترفق، ويحرص على ستر ما يقعون فيه من أوهام وأضاليل، وقد يقدمهم إلى الجمهور في جلبة وضوضاء، فكيف ننتظر أن يقول في الأدب العربي كلمة حق تشجع رجلاً مثلي على مهاجمة رجل يستبيح في الغض من أدب العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>