خير من كل كلام لا ينظر قائله إلى الواقع ولا ينظر إلى التاريخ
قرأت هذين المثلين في شهر رمضان
وشهر رمضان عندنا هو شهر العظات وشهر السهرات في سماع القرآن والدروس
وقد سمعت بعضها وقرأت بعضها وذكرت بعضها مما كان يلقى في السنوات الماضية
فيطيب لي أن أقول إنها تتقدم من المحاكاة إلى الابتكار، وأنها تخرج من حفائر الموت إلى ميادين الحياة، وأنها تخاطب الناس خطاب الإقناع بعد أن خاطبتهم طويلاً خطاب الإلزام والإرهاب. . .
فإذا اطردت على هذه الوتيرة فسبيلها غداً (١) أن تشمل الآفاق الواسعة وتتعمق في أغوار النفس الإنسانية و (٢) أن تربط بين موضوعاتها وكبريات الحوادث الحاضرة و (٣) أن تعمم الإقناع في خطاب العقل البشري فلا تقصره على من يؤمن بالقرآن والسنة والمسلمين، بل تجعله مقنعاً خليقاً بالبحث والنظر في رأي كل صاحب عقل وتفكير
وهل أضيف أمنية أخرى؟
يقول أناس إن بائع الحرير لا يلزم أن يلبس من حريره، وإن واصف الدواء لا يلزم أن يتناول من دوائه، وإن الأب الذي يقدم لوليده الطعام لا يلزم أن يأكل من طعام الأطفال، ولكن الواعظ لا يكون واعظاً إلا إذا عمل بما يأمر به الناس
ويقول آخرون: بل حكم الواعظ في ذلك حكم بائع الحرير وواصف الدواء ومقدم الطعام لبنيه، فليس بالواجب عليه أن يعمل بكل ما يقول، وإنما الواجب عليه أن يهدي كلاً من سامعيه إلى ما يحسن به عمله وتصلح له هدايته
وأياً كان مقطع الرأي في اختلاف الواجبات أو اتفاقها بين الناس فهناك واجب مشترك متفق عليه بين جميع الواعظين والعاملين: وهو الإيمان بالواجب والإيمان بالأمانة والإخلاص في أدائه.