للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كلمات خمس]

لحضرة صَاحب الفضيلة الأستاذ محمود شلتوت

طالعتنا النهضة الجديدة بخمس كلمات، لو أمعنا النظر فيها وعرفنا دلالتها ومغزاها، ثم رجعنا إلى تاريخ المجتمعات البشرية، وتتبعنا العوامل التي هيأت لها القوة في أطوار قوتها، والعوامل الأخرى التي أنزلت بها الضعف في أطوار ضعفها - لوجدنا هذه الكلمات تعبيراً صادقاً عن عوامل الضعف التي يجب أن تكافح، وأن تقضي عن محيط الحياة الجماعية للإنسان، ولوجدناها في الوقت نفسه تعبيراً صادقاً كذلك عن العوامل التي يجب أن تتخذ أساساً لبناء المجتمع عليها. تلكم الكلمات هي: التحرير، والتطهير، والاتحاد، والنظام، والعمل.

كلمات خمس، نطقت بها طبيعة إنسانية بريئة، صيغت على الإيمان بالله واستشعار عظمته، وتفرده بالملك والسلطان، فلم يمسها دنس الطغيان، ولا خبث الرجس ولا عصبية التفرق، ولا عبث الفوضى، ولا ترف العجز والكسل. وكان منها العلاج القوي من جراثيم المرض الذي يقعد بالمجتمعات عن مواصلة السير في سبيل الحياة النافعة، وكان منها مزيج القوى التي تدفع بالمجتمعات إلى بلوغ أقصى درج الكمال الممكن للإنسان في هذه الحياة.

وهي بعد هذا وذاك تصور بمعناها ووحيها المبادئ الإلهية التي جاء بها الإسلام ليعتمد الإنسان عليها في الوصول إلى الأهداف السامية النبيلة، ويحقق بها حكمة استخلافه في الأرض. فالإسلام يدعو إلى تحرير العقل من أسر الوهم والتقليد، ويدفع بالإنسان إلى النظر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شئ، ليتعرف أسرار الله في خلقه، ونواميسه في كونه، ويتخذ منها وسائل العمران والتقدير. وهو المعبر عن خصائص ما خلق الله، يقرر أن للإنسان إرادة مستقلة هي أساس مسئوليته، ومرجع محاسبته، وبها تتحقق إنسانيته، وبها يكون جزاؤه، ويعلن أن على الإنسان أن يحتفظ بتلك الإرادة احتفاظه بإنسانيته، وأن على الجماعة البشرية أن تمكنه من الاحتفاظ بها والرجوع إليها، وبذلك لا يقبل الإسلام من الإنسان وقد كرمه الله هكذا بالعقل والإرادة أن يطفئ مصباح الكون على عقله، ولا أن يسلم عقله لعقل غيره، ولا أن يذيب أرادته في إرادة غيره، ولا أن يجعل نفسه ظلا لغيره: يسكن إذا سكن، ويتحرك إذا تحرك، وينحرف إذا انحرف ويستقيم إذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>