شخصية غامضة وحادث غامض في التاريخ الأندلسي، في عصر الفتح، تقدم عنهما الرواية النصرانية كثيراً من التفاصيل الغامضة المتناقضة، وتمر عليها الرواية الإسلامية بالصمت؛ ومازال البحث الحديث مترددا في شأنهما.
أما هذه الشخصية الغامضة فهي شخصية ذلك الزعيم المسلم أو النصراني طبقاً لبعض الروايات، الذي تسميه الرواية الفرنجية (منوزا) أو (مونز)، والذي كان يتولى حكم بعض الأقاليم الشمالية في عهد عبد الرحمن الغافقي أمير الأندلس؛ وأما الحادث أو الحوادث الغامضة التي ترتبط باسم هذا الزعيم، فهي مخالفته للدوق أودو أمير اكوتين الفرنجي، وزواجه من ابنته الأميرة لامبجيا التي اشتهرت برائع حسنها، ومشاريعه الغامضة التي نظمها مع الدوق، والتي انتهت بخروجه على حكومة الأندلس، ثم هزيمته ومقتله، وأسر زوجته الحسناء لامبجيا.
وسنحاول في هذا البحث أن نعرف من هو (منوزا) صاحب هذه الشخصية الغامضة. ولقد كنت أعتقد، كما يعتقد كثير من الباحثين في التاريخ الأندلسي أن (منوزا) أو مونز إنما هو تحريف لاسم (ابن أبي نسعة) العربي، وهو عثمان ابن أبي نسعة الخثعمي الذي تولى إمارة الأندلس في سنة ١١٠هـ (٧٢٨م)؛ وقد سرت على هذا الرأي فعلاً فيما كتبته عن تاريخ هذه الفترة في الفصل الذي خصصته لموقعة بلاط الشهداء في كتابي (مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام)؛ ولكني اليوم أصبحت اشك في صحة هذا الرأي، وفي أن منوزا وابن أبي نسعة هما مسميان لشخص واحد.
وتتفق الروايات النصرانية - ومنها الروايات المعاصرة - على هيكل الحوادث التي ترتبط باسم منوزا من تاريخ أسبانيا المسلمة؛ ومعظمها على أن منوزا كان زعيماً مسلماً، يحكم بعض ولايات البرنيه وسبتمانيا فيما وراء البرنيه باسم حكومة الأندلس؛ وكان ذلك حوالي سنة ٧٢٥ - ٧٣٠م؛ وكان الدوق أودو أمير اكوتين الفرنجي في ذلك الوقت يتلمس كل وسيلة لحماية مملكته من غزوات العرب؛ وكان العرب قد غزوا أراضيه مراراً قبل ذلك وأثخنوا فيها؛ وكان جل همه أن يتقرب من حكومة الأندلس أو يجمع الحلفاء من حوله