كانت الساعة الرابعة مساء. . . حين نزل موزع البريد عن دراجته. . أمام ذلك المبنى الهائل القابع بميدان سليمان باشا. . . ودلف من باب العمارة الضخم. . . ثم ألفى نفسه بالطابق الثالث يضغط على جرس الشقة رقم ٤. . .
وناوله الخادم رسالة رجا منه أن يؤديها لسيده. .
وفضها الدكتور وطفق يلتهم سطورها في لهفة. . .
وفجأة تقلصت عضلات وجهه. . . وشحب لونه. . . واتسعت حدقتا عينيه. . . وزاغتا بين العبارات في ذهول وشرود. . . ثم فركهما. . . وأنعم النظر ثانية في الرسالة غير مصدق ما تطالعه به حروفها. . .
وتناول معطفه. . . وغادر العيادة. . . وفي كيانه ثورة جامحة تنتفض وتهزه هزاً عنيفاً. . . وتندلع من عينيه ألسنة من لهب صارم جبار. . . وهو يردد في إصرار وتحد بين آونة وأخرى. . .
يا إلهي. . . أيمكن أن يحدث هذا؟؟
وهناك في منزله. . . ألقى على زوجه نظرة قاسية عنيفة. . . تركزت فيها مشاعره الثائرة. . . قائلاً بصوت أجش فيه صرامة واعتداد. . .
الليلة سأغادر القاهرة. . . لمسائل خاصة بعملي. . . وسأعود بعد أربعة أيام. . .
وحاول أن يغوص في أعماقها. . . ليستشف ما أحدثه وقع الخبر على سمعها. . . لكن صوتاً رقيقاً كأنه النغم العذب همست به شفتاها انساب إلى أذنيه في هدوء حالم. . .
ـ وهل أغضبك يا حبيبي أن القدر سيختلس أربعة أيام من حياتنا السعيدة، ويحرمنا سماع ذلك اللحن الخالد عندما تتهامس شفتانا. . . وتلك الأنغام العذبة عندما يبسم ثغرك. . . ويخفق صدرك. . . وأنا ملصقة بك. . . ألوذ بأحضانك. .؟
الله معك. . . وطيفك معي. . . سأتخذ منه رفيقاً يهدهد صدري. . . ويرفرف علي بجناحيه. . . حتى تعود. . .