للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغزالي وعلم النفس]

للأستاذ حمدي الحسيني

النزوع

النزوع أو الإرادة أو العمل، هو المظهر الثالث للشعور الإنساني، وما دمنا قد تحدثنا في المقالين السابقين من هذه السلسلة عن المظهرين الأولين للشعور عند الغزالي وهما المعرفة والوجدان، أو على حد تعبير الغزالي العلم والحال، نرى من الحق أن نتحدث هذه المرة عن المظهر الثالث للشعور وهو النزوع أو العمل. وبهذا نكون قد تحدثنا عن أجزاء العملية العقلية عند الغزالي تامة، وصورنا مظاهر الشعور الثلاثة في نظر هذا العبقري كاملة.

وها نحن أولاء الآن نورد وصف النزوع في علم النفس الحديث فنقابله بما سنورده من وصف لهذا النزوع عند الغزالي. يقول النفسيون: النزوع هو الوجه الثالث لأية عملية عقلية، وهو محاولة (أو جهد) يبذله الإنسان ليستديم الارتياح الذي وجده، أو يبتعد عما شعر به من الألم والضيق. فهو ما يشعر به الإنسان عندما يكون هو الفعال نفسياً، فيؤثر في ما يجري في نفسه من الخواطر منتقلاً من اللحظة التي هو فيها، نازعاً نحو أخرى آتية أو مبتعداً عنها في حين أنه في الوجدان يكون هو المتأثر المنفعل.

وليس الإدراك والوجدان والنزوع أجزاء منفصلة يتكون من مجموعها الشعور، إنما هي أوجه (ومظاهر لشيء) وأخذ يمكن تميزها بعضها عن بعض يا لفكر ليس إلا. فهي متصلة بعضها ببعض اتصالاً وثيقاً، وتوجد في كل عملية عقلية، وتحدث كلها في آن واحد. فالإدراك لا يوجد من غير أن يصحبه وجدان؛ ولا يوجد وجدان بغير نزوع أو أدراك، والنزوع لا يوجد بدون أخويه الآخرين.

فالشعور وحدة متصل بعضها ببعض. الإدراك والوجدان والنزوع مظاهر ثلاثة لتلك الوحدة).

ولنر الآن ما كتبه العبقري العظيم أبو حامد الغزالي في هذا الموضوع (أعلم أن النية والإرادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد، وهو حالة وصفة للقلب يكتنفها أمران، علم وعمل والعلم يقدم لأنه أصله وشرطه؛ والعمل يتبعه لأنه ثمرته وفرعه وذلك لأن كل عمل، أعني كل حركة وسكون اختياري فإنه لا يتم إلا بثلاثة أمور: علم واردة وقدرة، لأنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>