للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٣ - القلب المسكين]

للأستاذ مصطفى صادق الرافعي

أما صاحب القلب المسكين فرمقها وهي تلفت إليه التفات الظبية بسواد عينيها بجعل سوادهما الجميل في النظرة الواحدة نظرتين لعاشق الجمال، تقول إحداهما: أنت، وتقول الأخرى: أنا؛ ثم أراها وقد كسرت أجفانها وتفترت في يدي الممثل العشيق وأفصح منظرها ببلاغة. . . ببلاغة جسم المرأة المحبوبة بين ذراعي من تحبه؛ ثم اختلجت وصوبت وجهها، وأهدفت شفتيها؛ وتلقت القبلة.

وكان به منها ما الله عليم به، فانبعثت من صدره آهة مُعولة تئن أنيناً، غير أنها كلمته بعينيها أنها تقبله هو؛ فلا ريب قد حملت إليه إحدى النسمات شيئاً جميلاً عن ذلك الفم لمست به النفس النفس، والقبلة هي هي ولكن وقع خطأ في طريقة إرسالها. . .

ليس تحت الخيال شيء موجود، ولكن الخيال المتسرح بين الحبيبين تكون فيه أشياء كثيرة واجبة الوجود، إذ هو بطبيعته مجرى أحلام من فكر إلى فكر، ومسرحُ شعور يصدر ويرد بين القلبين في حياة كاملة الإحساس متجاوبة المعاني. وبهذا الخيال يكون مع القلبين المتحابين روح طبيعي كأنه قلب ثالث ينقل للواحد عن الآخر، ويصل السر بالسر، ويزيد في الأشياء وينقص منها، ويدخل في غير الحقيقي فيجعله أكثر من الحقيقي. ومن هنا لم يكن فرح ولا حزن، ولا أمل ولا يأس، ولا سعادة ولا شقاء، إلا وكل ذلك مضاعف للمحب الصادق الحب بقدر قلبين؛ والذين يعرفون قبلة الشغف والهوى يعرفون أن العاشق يقبل بلذة أربع شفاه.

وانسدلت بعد هذه القبلة ستارة المسرح، وغابت الجميلة المعشوقة غيبة التمثيل فقلت لصاحب القلب المسكين: إن روحيكما متزوجتان. . . قال: آه، ومدَّها من قلبه كأنه دنف سقيم.

قلت: وماذا بعد آه؟

قال: وماذا كان قبلها؟ إنه الحب فيه مثل ما في (عملية جراحية) من تنهدات الألم ولذعاته، غير أنها مفرقة على الأوقات والأسباب مبعثرة غير مجموعة. (آه)؛ هذه هي الكلمة التي لا تفرغ منها القلوب الإنسانية، وهي تقال بلهفة واحدة في المصيبة الداهمة، والألم البالغ،

<<  <  ج:
ص:  >  >>