روع المسلمون بقتل عمر رضي الله عنه بيد فارسي أثيم يسمى فيروز، ويكنى أبا لؤلؤة، ووقف العالم ينتظر أثر هذا الحادث في نفوس المسلمين من جهة الفرس الداخلين في حكمهم. أيجعلونها قضية شخصية كسائر القضايا، أم يتناولون بها غير القاتل من قومه، فيقضون فيها بحكم القوة الذي كان يقضي به في الجاهلية، وتقوم به الحروب بين القبائل والشعوب، ويخرجهم السلطان عن حكم القرآن في قوله تعالى:(يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) فلا فرق بين أمير وحقير، ولا بين عربي وغيره من سائر الشعوب
وقد تفرعت عن هذه القضية قضية أشد منها امتحاناً للمسلمين في الحكم الذي يأخذون به فيها، فوقف العالم مرة ثانية ينتظر فيها حكمهم، فهل يقضون بالعصبية التي كانوا يقضون بها في الجاهلية، أو يقضون بالعدل الذي لا يفرق بين القبائل والشعوب، وتلك قضية قتل الهزمزان الذي روع المسلمين كما روعهم قتل عمر، وأظلمت به المدينة على أهلها ثلاثا
خرج عمر بن الخطاب يوماً يطوف في السوق، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة - وكان نصرانياً - فقال: يا أمير المؤمنين، أعدني على المغيرة بن شعبة، فإن علي خراجاً كثيرا. فقال له عمر: وكم خراجك؟ قال: درهمان في كل يوم. فقال عمر: وإيش صناعتك؟ قال: نجار، نقاش، حداد. فقال عمر: فما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال. قد بلغني أنك تقول لو أردت أن أعمل رحاً تطحن بالريح فعلت. فقال: نعم. فقال عمر: فاعمل لي رحاً. فقال: لئن سلمت لأعملن لك رحاً يتحدث بها من بالمشرق والمغرب. ثم انصرف عنه. فقال عمر: لقد توعدني العبد آنفاً. فلما كان بعد ثلاثة أيام خرج إلى صلاة الصبح، وكان يوكل بالصفوف رجالاً، فإذا استوت جاء هو فكبر، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وفي يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته، وهي التي قتلته، ثم خرج يريد الفرار فتبعه رجل من تيم فقتله وأخذ منه الخنجر، ومضى ذلك المجرم الأثيم بسر فعلته، ولو أنه بقى لأمكن أن يؤخذ منه اعتراف عن السبب الذي