دفعه إليها، وأن يسأل هل الذي حمله عليها أن عمر لم يعده على المغيرة بن شعبة، أو أنه أراد الانتقام لدولة الفرس التي أسقطها عمر؟ وهل كان له في ذلك شركاء، أو لم يكن له شركاء فيه؟
وقد شاع عقب ضرب عمر أن قتله لم يكن عمل أبي لؤلؤة وحده، وأنه كان هناك أشخاص شركوا في دم عمر، ففتح باب التحقيق في هذه القضية الغامضة، وجاء عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق غداة طعن عمر: فقال: مررت على أبي لؤلؤة أمس ومعه جفينة والهرمزان وهم نجى؛ فلما رهقتهم ثاروا وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فانظروا بأي شيء قتل؟ فجاءوا وبالخنجر الذي ضرب به أبو لؤلؤة فإذا هو على الصفة التي وصفها عبد الرحمن بن أبي بكر
ولم يتقدم أحد بعد عبد الرحمن بشهادة تلقى ضوءاً على هذه القضية الغامضة. ولا شك أن شهادة عبد الرحمن إنما تثير شبها فقط في جفينة والهرمزان، والشبهة لا تكفي في إثبات جناية من الجنايات، لأن أمور الدماء أجل من أن تهدر بشبهة من الشبه، بل إن الشبهة لا تكفي في إثبات حق في الدماء وغيرها، ولابد من دليل واضح تثبت به الحقوق، وتبنى عليه الأحكام.
وقد سئل القماذبان بن الهرمزان عن أمر ذلك الخنجر فقال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض، فمر فيروز (أبو لؤلؤة) بأبي ومعه خنجر له رأسان، فتناوله منه وقال: ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟ فقال: أبس به فرآه عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما أصيب عمر قال: رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز
فلما لم يجدوا في هذه القضية الغامضة غير تلك الشهادة طووا التحقيق فيها، ولم يروا في هذه الشهادة ما يدين جفينة والهرمزان، وكان في طي التحقيق بهذا الشكل أكبر دلالة على سمو الإسلام، لأنه أبى مع تلك الشهادة التي تثير شبهة قوية في أن قتل عمر كان بمؤامرة فارسية أن يجعل لشهوة الانتقام أثراً في حكمه، وأن تأخذه عزة السلطان فيستهين بدم شعب خضع له، ويجعلها مذبحة تشقي النفوس الثائرة لمقتل ذلك الخليفة الذي نشر لواءه في الخافقين
ولكن طي التحقيق بهذا الشكل لم يرض بعض آل عمر، وكان ابنه عبيد الله لا يزال فتى