ذكرت في المقال السابق أن المؤنث ليست له علاقة خاصة به من حيث كونه مؤنثاً باعتبار الجنس، وأن بعض الجموع والمصادر والصفات الدالة على المبالغة، والأمور المعنوية، تلحقها نفس العلامات التي تلحقه. وقلت أن الصلة بينها جميعاً هي الدلالة على القوة وبلوغ النهاية؛ ووعدت أن أوضح سبب نظرة الساميين إلى هذه الأشياء نظرة الإكبار والتعظيم.
أتى على الإنسان عصر كان يقدس فيه القوى الطبيعية، المنتج منها والمدمر، يتملقها بالعبادة والقرابين استرضاءَ لها واتقاءَ لشرها
كان يقدس الريح، لأنها إذا سخطت أتت صرصراً عاتية، تعبث به وبكوخه ومتاعه، وتزأر زئيراً يقشعر له بدنه، وترتجف منه أوصاله؛ وإذا رضيت أتت رخاءَ لينة، تخفف حدة القيظ، وقر الشتاء
كان يقدس الشمس، لأنها تبعث في الحيوان والنبات الحياة والقوة، وتجلب الضوء فتمكنه من السعي في مناكب الأرض والخروج للصيد، وتجعل من رمال الصحراء ناراً متقدة، ومن حرم ضوءها ذوى وذبل.
وكان ينظر إلى السماء وما حوت نظرة تقديس وإجلال، فيراها موطن الأجسام المتلألئة اللماعة، تهديه في شراه، وتمن عليه بالضوء ليلاً ونهاراً، ويتطلع إليها كأنها مصدر القوى المسيطرة على العالم.
وكان يرى في الأرض أماً يسكن إليها إذا ريع، ويعتمد عليها في طعامه، وشرابه، وحياته. درج عليها صغيراً، وجاب نواحيها كبيراً. زرع فيها الحب فآتى أكله، وغرس فيها الشجر فأثمر.
وكان يرى في السحب إله الرحمة، تنقع غلته من حياها، وتنمي زرعه من غيثها، وتدر الماء فتربو الأرض وتنتج من كل زوج بهيج.