وكان يرى النار مصدراً للخير والشر، تنضج له طعامه، وتضيء له كوخه، وتلتهم كل ما يملك.
اعتبر كل هذه القوى أشياء طبيعية، خفية، غامضة، ذات قدرة سحرية، قادرة على النفع والضر، فأشار إليها بضمير خاص مميزاً لها عن بقية الأشياء التي تقع تحت سمعه وبصره، ذلك الضمير الذي يشير به إلى الانثى، وكانت في نظره قوة منتجة ذات تأثير بين في حفظ النسل وإخراجه إلى الحياة وتعهده بالرضاعة والنمو، ولأنها لغز لم يستطع إدراكه، فهو لا يستطيع الحياة بدونها، ويجدها مصدر العطف والرحمة، واللذة والألم، والقسوة والصبر
وكان الآشوريون وهم أقدم الأمم السامية وأقربهم إلى الأمة الأصلية، يعتقدون أن المرأة وحدها هي التي تستطيع أن تفهم السحر وتقوم بالأعمال السحرية، وأنها تعرف أسرار الغيب، والتكهن بالمستقبل
وكان عند العرب من العرافات والكواهن في الجاهلية عدد لا بأس به كطرْيفة الخير، وسلمى الهمدانية
وكان العرب يسمون كثيراً من آلهتهم بأسماء الإناث، ولا سيما أقدمها وأعظمها، فكانت (مناة) أعظم أصنام الأوس والخزرج، وكانوا يجلونها وتعتبر أقدم أصنامهم. وكانت (اللات) أكبر أصنام ثقيف. وكانت (العُزَّى) أعظم أصنام قريش، يزورونها، ويهدون لها، ويتقربون إليها. وقد قيل أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكرها مرة فقال:(لقد أهديت للعزى شاة عفراء وأنا على دين قومي). وهذه الأصنام الثلاثة هي التي خصها القرآن الكريم بالذكر
تلك كانت نظرة الساميين القدماء للأنثى: اعتبروها قوة من القوى المنتجة، ونسبوا إليها القدرة على القيام بالأعمال السحرية والكهانة والعرافة.
ولذلك أنثوا كل الكلمات الدالة على القوة، والتي ترمز إلى أمر خطير ذي أثر بين في حياتهم: أنثوا الخمر لأنها تجلب إليهم المرح والسرور، وتنسيهم أحزانهم وآلامهم؛ وأنثوا الروح والنفس، لأنهما من القوى الخفية التي بها يحيا الإنسان وبدونها يصير جثة هامدة، لم يقفوا على سرهما وكنههما:(ويسألونكَ عن الرُّوحِ قل الرُّوحُ من أمر ربي). والنفس عندهم