دل قيام الملكية الواحدة في مصر على تقدم عظيم، تقدم جعل كثيرين يعتقدون انه راجع إلى إغارة شعب أجنبي أكثر حضارة، ولكن المستكشفات الحديثة لا تؤيد هذا الرأي. أجل إن مقابر الأسرة الأولى تفوق بمراحل مقابر ما قبل الأسرات مباشرة، ولكن يجب أن نتذكر أن هذه المقابر الأخيرة إنما هي مقابر عامة الناس، ولم يعثر على مقابر ملوك ما قبل الأسرات، فلا يصح أن نقرن مقابر عامة الناس في عصر ما بمقابر ملوك في عصر آخر.
والحقيقة نفسها توضح لنا كيف أن الكتابة تظهر فجأة في الأسرة الأولى بشكل بعيد عن حالتها الأولية، إذ كان الخط المستعمل هو الخط الهيراطيقي، وهو كما لا يخفى اختزال الهيروغليفي فلابد أذن أن يكون هذا الأخير مستعملاً قبل حكم الأسر بزمن طويل. وإذا قصرنا أنفسنا على نوع واحد من المقابر رأينا أن الانتقال من قبل الأسرات إلى عهد الأسرات حدث تدريجياً. ثم إن الأعمال الفنية في الفترة الأخيرة السابقة للأسرات ومن أهمها لوح (نارمر) الإردوازي ومقبض سكين جبل العرك تدل على أن فن الأسرة الأولى هو ثمرة نمو تدريجي لأهل البلاد.
أما وقد قامت الملكية فكان لابد للأنظمة الاجتماعية والسياسية أن تتطور إلى حد بعيد، ولم يكن الملك المصري في أول الأمر ألا رئيساً محلياً ممتازاً.
وكان رئيس القبيلة حاكماً وكاهناً أكبر ومشرعاً لقبيلته فأصبحت هذه الوظائف كثيرة على الملك بعد أن اندمجت القبائل قهراً وطوعاً وأصبحت مصر مملكة واحدة، لذلك اضطر أن يتنازل عن بعض هذه الوظائف، ولكنه ظل نظرياً الكاهن الأكبر لكل إله، فنراه في نقوش المعابد يرأس كل الحفلات الدينية الهامة، وإذ كان من المستحيل أن يوجد في مكانين في آن واحد كان لابد أن ينوب عنه كهنة، وبذلك نرى في أيام المملكة القديمة نواة طائفة الكهنة المحترمين آخذة في التكون.