هل من العجب أننا نغرق النوم في الحديث عن أدبنا وماله من امتياز يجب أن نفخر به ونعتز كل الاعتزاز، ونحن قد ملأنا بضجيجنا السماء الهواء والماء ولم نكتف بذلك، بل غصنا إلى عمق البحر، وأتينا من قاعه بالعجب العجاب. فمنذ بدء هذا القرن، وقد أنتشر عنا في أرجاء الأرض أنه قد كان لنا أدب ميت فأحييناه، ولم يكن لنا - كما زعمنا - بد من ذلك؛ فنحن قوم قد أرهف شعورهم، وصقلت أذواقهم، وامتد لهم في محيط الفن صوت عريض مجلجل!
فإذا كنا كذلك، فلا بد لنا إذن، حين وقفنا على الأدب الغربية، وما تحمله إلى النفس من نفح طيب، وشذي معطر أن ننظر في أنفسنا، وان نقدر ما وصل إليه أدبنا العربي، من خمود هو أشبه بالماء الآسن منه بأي شيء آخر.
وقد نظر الناس منا إلى هذا الخمود، فأعلنوا الثورة، وتمخضت ثورتهم المتأججة، عن جدول رفيع سارب، ينساب من محيط الأدب الغربي، وأخذ يتدفق في بطئ نحو هذه الصحراء، الممتدة كل الامتداد؛ اخذ يرويها من أطرافها وانبت فيها شيئاً يشبه النبات الأخضر، ولم يكن لهذا النبات أن ينمو ويورق ويترعرع، فهذه الشمس المحرقة، شمس أنصار القديم - كما اصطلحوا على تسمية هذه الفئه، ترسل أشعتها صادية - ظامئة، فتذويه وتمتص ماء حياته. . .
ثم تقدمت الأيام رويدا رويدا، تمشي على اللوني كما يقول الشاعر القديم، واشتدت ساق هذا النبات المتضائل الضعيف، وكان لا بد من أن يقاوم، وان يصطرع من هذه الطبيعة المجدبة، التي يؤثر جذبها الموحش على الزهر اليانع النضر!
والذي حدث فعلا، أن مشكلة الأدب القديم، والأدب الجديد، بدأت هذه المشكلة منذ زمن، وهي ظاهرة إلى اليوم وستظل ظاهرة إلى أبد الآبدين. فنحن لا نتحدث الآن عن أدبنا ذاته، وإنما يهمنا من الأدب أن ينتمي إلى المدرسة القديمة، التي تقدس الماضي، أو ينتمي إلى المدرسة الحديثة التي تنظر بمنظار الحادث المستقبل. والنقد علم مقوم لفن الأدب فإذا كان