للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[حي بن يقظان]

لمحة عن النظريات والمذاهب الفلسفية التي توحيها مطالعة الكتاب

لكتاب حي بن يقظان مقام جليل في تاريخ الفلسفة العربية، سجل

لصاحبه شهرة واسعة في القرون الماضية لاسيما في بدء نهضة

الإفرنج. ولا نزال نذكر إلى الآن مؤلفه ابن الطفيل كلما طالعنا كتاب

(روبنسن كروزو) لديفو الإنجليزي، فنحن وإن كنا بغير حاجة في هذا

العصر إلى ما في هذه القصة من نظريات عقلية أو مذاهب عملية

نرتب عليها أعمالنا في الحياة، لا نزال نحفظ لمؤلفها فضل الأسبقية

في مثل هذا الفن القصي الفلسفي ونريد أن نذكرها كلما أتينا على ذكر

ديفو وبطل قصته روبنسن كروزو. ولست أريد من ذلك أن قصة

روبنسن هي ككتاب حي بن يقظان قلباً وقالباً ولكن أريد أن أشير إلى

شبه في الفكرة ومجانسة في الفن القصصي.

ولننتقل بعد هذه الكلمة إلى ما نحن بصدده من استخراج النظريات والمذاهب الفلسفية من قصة حي بن يقظان لنتبين قيمة هذا التراث الفلسفي الخيالي في أدبنا العربي. لا نريد أن نقول (قبل أن نأتي على تلخيص القصة) أن ابن الطفيل قد ضمنها زبدة التعاليم الفلسفية العربية، والمذاهب العملية وصاغها في قالب خيالي جذاب تستشف من وراءه شخصية الفيلسوف الوادعة، وفكرته الخاصة التي تنهتك سراعاً للخبير، فكان بذلك سابقاً لديفو وإضرابه من الإفرنج القصصيين: فأول ما يستلفت نظرك أيها القارئ الكريم من هذا الكتاب هو عنوانه الرمزي الغريب: حي بن يقظان. فمن هو هذا (حي)؟ وابن من؟ ابن يقظان. . . هذا الاسم رمزي في مدلوله وهو في عرفهم ابن من لا ينام أي الله عزّ وجل. وتفتح الكتاب فإذا هناك مقدمة وجيزة في نقد الفلاسفة الإسلاميين، ونظرة سريعة في الحكمة المشرقية سيشرحها لك مفصلا عند الحديث على بطله حي.

كل الكتاب نظريات وثبت للمذاهب الفلسفية، فأول ما تفاجأ به أيها القارئ هي هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>