كانت السلطة الزمنية والسلطة الروحية - ولا تزالان - في تقدير الإسلام من أخص أوضاعه ومميزات أسراره
والسلطة الروحية هي التي تنظم علاقة الإنسان بربه في عباداته ومعاملاته الظاهرة والباطنة، وتخضع ناموس المشاعر وقوانين القلوب لذلك السلطان القاهر الذي له الهيمنة على الإنسان في شتى مناحيه
والسلطة الزمنية هي التي تنظم علاقة الإنسان بالإنسان وترسم لتلك العلاقة حدوداً في المعاملات بشتى ملابساتها وتتفرع عن هذه السلطة سلطات ثلاث: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية
كانت هاتان السلطتان متلازمتين في الإسلام، فهما ملاك هذا الوجود وقطب رحاه، وهما اللتان أقام منهما حارساً على بناء هذا المجتمع أن تنهار أسسه وتتداعى نظمه؛ ذلك الإسلام في مناعته وقوة حياطته وما كفله في أطوائه من تلمس أقوى العوامل إنهاض هذا المجتمع حتى يظل باقياً يؤدي رسالته ويذيع في البشر أمانته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. وبدهي أن الإسلام دين روحي زمني ينتظم في أبلغ أوضاعه عملي الدنيا والآخرة، فهو بطبيعة وجوده مصدر يصل بين حياتي المعاش والمعاد، ويكل إلى المضطلعين بأعباء السلطة الزمنية أن يستمدوا قوانينها ومبادئها وأحكامها من السلطة الروحية، ضرورة أن السلطة الروحية قد فرضت الفروض ورسمت الحدود في آي الفرقان بما يجمع تراثاً خصباً صالحاً حين ترجع أليه الرسل ومن بعدهم خلوفهم. من أجل ذلك رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمد أحكام السلطة الدنيوية من السلطة الدينية لأنهما توأمان لا يمكن ألبتة الفصل بينهما إلا بتحكم الطغيان الجائح فيهما فقد درج الخلفاء الراشدون والصحابة من بعده صلى الله عليه وسلم على تطبيق الجزيئات الفرعية والمسائل الموضعية التي لم ينص عليها قانون المسائل الكلية وإن شملها بالقواعد العامة المندرجة في أطوائه، وذلك يكون بالمقارنة والاستنباط وملاحظة المفاهيم العامة والمآخذ المطلقة ورد