لا نجد حولنا غير المعجبين بالأدب الإفرنجي. ومن حق هؤلاء أن يعجبوا بهذا الأدب الكثير الألوان، الجديد، الطري، السائر والحضارة في طريق واحد لا تبتعد عنه ولا يبتعد عنها. من حقهم أن يعجبوا بأدب يوفر لهم ما يحتاجون إليه من غذاء روحي أعده لهم طهاة عرفوا ميولهم فسايروها، ونفحوها بما تستطيب من علم، وبما ترتاح له من ابتكار مستساغ تهضمه المعد والعقول. فالأدب الإفرنجي في القرن العشرين ينضح بعصير يجد فيه كل طالب ما تشتهيه نفسه. فليس له إلا أن يختار. فان أمامه من مختلف الأطعمة، بل أمامه الأطعمة على إطلاقها. فإذا حن إلى التاريخ وجد التاريخ، وإذا حن إلى الشعر لمس من هذه البضاعة ما يروم، وإذا شغف بالرواية وقع منها على ألوان وألوان كبيض العيد، من أحمر وأخضر وأصفر وبنفسجي وبرتقالي
فما عليه ليدرك مبتغاه إلا أن يحرك شفتيه. وهذا الخصب في الأدب الإفرنجي يعود إلى أمرين: الأول أن الغرب اليوم في عز ومنعة، فهو المسيطر الحاكم المستبد. والآخر أن فيه شعباً يقرأ ويقدر مؤلفيه. فإذا أجهد الكاتب ذهنه وكد قريحته فلن يضيع وقته في العبث، فلابد له أن يستفيد، وأن يضمن لنفسه الغذاء والقوت
وسر نجاح الأدب في نجاح الدولة التي تحميه، فمن المحال أن ينشط أدب ويُفك عن عقاله ويزدهر وينمو إن لم تكن هناك دولة يعتمد عليها ويستند إليها. فالأدب العاطل من سلطة تعضده وتؤيده أشبه بالرجل التائه الشريد، بل أشبه باليتيم، يقضي العمر وحيداً ينبذه الكون، وينفر منه الناس، فيعيش في اكمداد واضطراب حتى تدق ساعته الأخيرة فيلفظ الروح
ثم إن هذا الأدب بحاجة إلى من يغذيه بالمال ليعيش، فالأديب ككل ذي صناعة إن لم تمده بما يوفر له طعامه، يعجز من أن يمدك ببنات صدره وعقله. فهو يحتاج إلى الغذاء: إما بأن يرفده الملوك وأصحاب الغنى والجاه والمراتب السنية، وإما أن يقبل الشعب على مؤلفاته يؤدى عنها ما تساوى. وهو إن لم يوفر غذاءه المادي، فكيف يتوفر على صوغ جواهره في