القوة هي الحق وما سواها باطل. فإذا رابك هذا القول فعارضته بآية من القران في الرحمة، أو بحديث من السنة في العفة، أو بمأثور من الحكمة في البر، أو ببيت من الشعر ف العدل، قلت لك ويداي مشبوكتان على صدري: صدق الله العظيم، أو بر النبي الكريم، أو أحسن الواعظ الحكيم، أو أجاد الشاعر النابغ؛ ولكن للطبيعة طغياناً تكسر الأديان من غلوانه ولا تمحوه، وللحياة سلطانا تكف الآداب من عاديته ولا تزيله. وما دام الغربيون يحنون إلى حياة الغاب، ولا يعترفون إلا بالظفر والناب، فإن كلمتي الحق والعدل تظلان مرادفتين لكلمتي الضعف والعجز! يجأر بهما المظلوم ويتصام عنهما الظالم!
على أن العدل والبر والإحسان وأخواتها من مهجورات الفضائل، أما يفهم التعامل بها بين الفرد، أو بين الأسرة والأسرة، لأن الأمر بينهما يقوم أكثره على عواطف الصداقة أو القرابة، فمنظره الإيثار والتسامح والتعاون، أما التعامل بها بين الشعب والشعب أو بين الدولة والدولة، فأيما يقوم على جلب المنفعة أو دفع المضرة فمظهره التفارس بالغيلة والحيلة الماثلتين بأس الجيوش ومكر الساسة!
ماذا بيننا وبين إنكلترا أو فرنسا أو أمريكا من أسباب المودة؟ هل بيننا وبينها إلا ما يكون بين حيوان جائع تحت كفيه حمل، وأسد مسعور بين فكيه ناب؟ كيف ننشد الحق والعدل في دول الغرب وكل واحدة منها قد جعلت قصدها وأكدها أن تنفرد بخبرنا أو تشارك فيه؟ إنها عصبة من دول الشيطان تعاونت على الإثم القوة فيهم فلم تفدهم التجربة، وأصابهم الطغيان النازي في أنفسهم وأموالهم فلم تعظهم الإصابة ووقفوا أمام جبار المحور ضعافا ضارعين ست سنين طوالا ثقالا يطلبون من الله أن يسعفهم بالحق، ومن القانون أن يؤيدهم بالعدل، ومن العالم أن يرفدهم بالإحسان، حتى إذا رأوا القدر القاهر يسلب القوة العارمة، ويعطل الآلة المحطمة، استطالوا على الله، واستهانوا بالقانون واستكبروا على الناس، وقال كل منهم: أنا اليوم وريث هتلر وخليفته! هاهم أولاء، لا تزال وجوههم محمرة من لطمات هتلر، وأشلاؤهم مبعثرة يجلسون فيما سموه مجلس الأمن ويزايدون في حقوق الشعوب، وحجتهم العالية أن بلادهم تزخر بالحديد والنار، ونفوسهم تجيش بالطمع والاستعمار!
القوة هي الحق وما سواها باطل فمن عاش في البرية حملاً أكلته الذئاب، ومن سار في القافلة أعزل سلبته اللصوص.