كانت الدولة الطولونية أولى الدول الإسلامية المستقلة بمصر وكانت أقصرها حياة، ولكنها لم تكن أقلها قوة وبهاء، فهي لم تعمر سوى سبعة وثلاثين عاماً (٢٥٤ - ٢٩٢)، ولكنها سطعت خلال حياتها القصيرة كما تسطع الدول العظيمة. ثم انهارت فجأة كأنها صرح أسس على الرمال، ذلك لأنها تدين بوجودها وقوتها لمؤسسها العظيم أحمد بن طولون؛ فلما توفي احمد في سنة ٢٧٠هـ، وخلفه ولده خُمارويه، لبثت الدولة مدى حين تحتفظ بلونها الزاهر؛ ولكن عوامل الانحلال السريع كانت تعمل لتقويض دعائمها التي لم تكن قد رسخت بعد. وكان خمارويه أميراً مترفاً ينثر حوله ما استطاع من ألوان الفخامة والبهاء، فعنى بتوسيع القطائع وتجميلها عناية فائقة، وزاد في قصر أبيه زيادات كبيرة، وأنشأ له قصراً خاصاً بذل فيه من صنوف البهاء والبذخ آيات عجيبة، وجعل فيه بركة من الزئبق الخالص، وديواناً ملوكياً فخماً عليه قبة عظيمة، وداراً للسباع، ومسارح للطيور وغيرها. وكانت هذه الألوان الزاهرة تسبغ على الدولة الطولونية مظهراً بارزاً من القوة والعظمة، ولكن النضال المستمر الذي اضطرت إلى خوضه كان يستغرق قواها ومواردها، ويعرضها لتلك الزعازع والمفاجآت التي تنذر الدول الناشئة بالفناء الكامل
وكانت الدولة الطولونية تستظل منذ قيامها بلواء الخلافة الإسمي؛ ولم يشأ مؤسسها النابه أن يخرج على هذه السلطة الروحية التي يستمد منها شرعية حكمه واستقلاله. وحذا ولده خمارويه حذوه، فدعا للمعتمد العباسي، ثم دعا من بعده للمعتضد. على أن هذا الاستظلال الإسمي بلواء الخلافة لم يحل دون تعرض الدولة الطولونية لهجمات عمال الخلافة وأوليائها الآخرين. واضطر خمارويه، كما اضطر أبوه من قبل أن يخوض غمار معارك دفاعية متصلة؛ ولما ولي المعتضد الخلافة في أواخر سنة ٢٧٩هـ، بعث إليه خمارويه بالهدايا الملوكية المعتادة، فبعث إليه المعتضد بكتاب الولاية والخلع التقليدية، وانتظمت العلائق الودية بين الخلافة والدولة المصرية، بشروط وعهود معينة. ورأى خمارويه من جهة أخرى أن يوثق هذه العلائق بمشروع معاهدة اقترحه على الخليفة، وهو أن يزوج