ابنته أسماء الملقبة بقطر الندى لولده وولي عهده المكتفي بالله؛ فوافقه المعتضد على هذا المشروع على أن يتزوج هو قطر الندى. واغتبط خمارويه بعقد هذه الصلة الوثيقة بينه وبين الخلافة، وبعث الخليفة مندوبه وصديقه الحسن بن عبد الله الجوهري المعروف بابن الخصاص إلى مصر ليتولى إحضار العروس إلى بغداد، وليشرف من قبله على أهبات القران الخلافي.
وكان زواج المعتضد بقطر الندى من أعظم الحوادث الاجتماعية في التاريخ الإسلامي، وكانت هذه الأميرة المصرية النابهة من أجمل نساء عصرها وأكملهن في العقل والخلال؛ وكانت وقت خطبتها صبية في نحو الخامسة عشرة؛ وكان أبوها خمارويه يعبدها حباً؛ فلما وقع الاتفاق على زواجها من المعتضد أحيط عقدها وزفافها بأورع ما يتصور الإنسان من مظاهر الفخامة والبهاء. وكان صداقها ألف ألف درهم، ولكن خمارويه أنفق في تجهيزها أضعاف أضعاف هذا القدر. وكان جهازها مضرب الأمثال في البذخ الطائل الذي تكاد تحسبه من مناظر ألف ليلة وليلة. وقد نقلت إلينا الرواية بعض تفاصيل مدهشة عن جهاز قطر الندى وزفافها؛ فذكرت لنا أن خمارويه قدم لابنته فيما قدم دكة أربع قطع من ذهب وعليها قبة من ذهب مشبك في كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة جوهر لا تقدر، ومائة هون من ذهب؛ ومن الحلي والثياب روائع يعجز عنها الوصف، حتى قيل إن من بينها ألف تكة من الحرير قيمة الواحدة منها عشرة دنانير؛ وهي واقعة ينوه بها المقريزي ويتخذها دليلاً على بذخ هذا العصر الطائل، ويقول لنا إن أسواق القاهرة في عصره أعني في أوائل القرن التاسع كانت تعجز عن أن تقدم تكة واحدة بهذه القيمة؛ ويقول لنا القضاعي إن ابن الخصاص، وقد تولى إعداد الجهاز والإشراف على النفقة تحقيقاً لرغبة خمارويه، حينما قدم إليه ثبت النفقة ذكر له أنه لم يبق منها للتسوية سوى (كسر) قدره أربعمائة ألف دينار، وإذن فما بالك بالنفقة كلها إذا كان هذا كسراً منها فقط!
وفي أواخر سنة ٢٨١هـ، تم تجهيز قطر الندى، واتخذت الأهبة لإرسالها إلى الخليفة. وهنا أيضاً يحب أن نرجع الذهن إلى قصص ألف ليلة وليلة، لكي نتصور ما أحيطت به رحلتها من مصر إلى بغداد من مظاهر النعماء والفخامة والترف. فقد شاء خمارويه أن يجعل لابنته من تلك الرحلة الشاقة نزهة بديعة، فأمر أن يقام على طول الطريق من مصر