للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الرسالة في عامها الحادي عشر]

أقبل العام الميلادي تسعى بين يديه الشمس، ومن ورائه يقبل العام الهجري يسعى بين يديه القمر؛ وبين هذين النيرين الإلهيين تبلغ (الرسالة) مرحلتها الحادية عشرة في سبيلها الشاقة، إلى غايتها الحاقة، ومنهما معرفتها ورشادها، وفيهما تضحيتها وجهادها؛ ومن نور القمرين نور الدنيا، ومن هدى التاريخيين هدى الناس؛ فإذا تعسر الخطو وتعثر الخطاة فذلك لأن النور الإلهي احتجب، والبصر الإنساني كلّ. على أن نور الله تدركه البصائر لا الأبصار؛ فإذا عميت القلوب تخبط الناس في ظلام جهنمي تموج فيه تهاويل الشر، فأفسدوا كل صالح، وبددوا كل منتظم، وهددوا كل حي. وما محنة العالم اليوم إلا ضلال عن الطريق. والضال إذا لم يهتد هالك لا محالة. ومن يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً

كلما عاد عيد الهجرة أو عيد الميلاد صاح بالضالين المتفانين شيخ الإسلام أو حبر النصرانية: أن تعالوا إلى الطريق! ولكن كلا الدليلين - وا أسفاه! - يقف على رأس الجادة المهجورة داعياً ولا سميع، وراعياً ولا قطيع!

فمتى يا إله الناس تنحسر عن العيون السادرة أغشية الضلالة فيعود الجائر إلى القصد، ويرجع الشارد إلى الحظيرة؟

لقد طغي الفناء على الكون، وأرسل على ملكوت الله سمائمه السود تعصف في كل مكان بالخوف والجوع والدمار والموت لا تكف ولا تخف حتى لا يدري الممسي كيف يصبح، ولا الغادي كيف يروح!

هذا هو الشتاء الرابع يقبل على هذه الرجفة الآدمية العالمية وهي راعدة لا ينقطع لها دوي ولا حمم ولا نار ولا ضحايا؛ وبنو آدم المتمدنون لا يفتئون يسخرون العلم الذليل الخاضع في تأريث براكينها المزمجرة، فتقذف الردى شهباً في السماء، وتصحبه حميماً في الماء، وتشعله جحيماً في الأرض، وأولادهم هم أشلاء هذه المقتلة، وحضارتهم هي أنقاض هذه الزلزلة. وكل أولئك في سبيل الرغيف. ورزق الله موفور ميسور ما دامت السماء تمطر والأرض تنبت؛ ولكن الإنسان مهما تعلم وتقدم لا يزال في سياسة معدته على الفطرة الأولى من حب الاستئثار والاحتكار، فلا يعرف القناعة في الرزق، ولا يقبل العدالة في القسمة، ولا يحسم الخلاف على القوت إلا بالقوة إذا تأسد، وبالمراوغة إذا تثعلب. وقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>