لعل في القراء من يذكر السؤال الذي وجهته منذ أسابيع إلى المفكرين من علمائنا وعرضت فيه إلى بعض المشكلات الدينية وسألتهم حكم الله فيها، حكم الله لا يخالف مصلحة الناس، ولا ينافي حاجة العصر. وقد مرت هذه الأسابيع ولم أتلق من أحد جواباً، ولم أحد فيمن لقيت من علمائنا في هذه المدة إلا أحد رجلين: رجل لم يقرأ السؤال، ولم يدر بأن في الدنيا مجلة اسمها الرسالة، ولم يدخل بيته إلى اليوم كتاب واحد أو مجلة أو رسالة صغيرة مما تفيض به المطابع كل يوم، لأن نذلك كله لغو لا يليق بالعالم أن يلقي إليه بالاً أو يقف عنده أو يعرج عليه، وفي كتب الفقه والأصول والحديث الكفاية، وإن كانت العناية بالحديث والتفسير - أعني بالكتاب والسنة - لمجرد التبرك والاطلاع، ولا للاستنباط والاجتهاد، لأن الاجتهاد سد بابه والفقهاء لم يتركوا شيئاً إلا قالوه، وإن هو احتاج بعد ذلك إلى شيء من الأدب فحسبه المستطرف، والكشكول، والمخلاة، ومسامرات الشيخ محي الدين بن عربي مؤلف الفصوص الذي تجد الكلام على دينه وتقواه في الصفحة ١٥٩ من كتاب الإسلام الصحيح للنشاشيبي
ورجل آخر، حملت إليه الرسالة، فقرأ السؤال فكان جوابه عليه لعنة حامية على هؤلاء الملحدين الذي يحلون ما حرم الله، ويدعون إلى الربا الذي نهى عنه الله، وكان له مادة لإعلان غيرته على الدين، وتثبيت منزلته بين العامة. . .
على حين إن المشاكل الدينية من نحو مشكلة الربا قائمة، والناس يتعاملون بألوان من الربا منها الربا الفاحش البين، ومنها الربا الخفيف أو ما يشبه الربا، ولا تجد تاجراً (أعني تجار الجملة لا البقالين) يستغني عن مثل معاملات الحسم (السقونطو) أو عن الاتصال بالمصارف على نحو ما. . . فإذا كان هذا كله من الربا المحرم الممنوع شرعاً، وكان هذا كله مما لا يستغني عنه كانت النتيجة (المنطقية) أن الإسلام لا يصلح لهذا الزمان. . . وهذا محال، فلم يبق إلا إبطال إحدى المقدمتين، فإما أن يقال بالاستغناء عن معاملات المصرف، وإما أن يقال بأن هذه الأحكام الفقهية ليست هي كل الشريعة، وأن من الممكن